حملت الأنباء الواردة من دبي تورّط لاعب منتخب الإمارات فيصل خليل في قضية سحر وشعوذة، كان يهدف من خلالها إلى شلّ قدرات بعض لاعبي الدوري المحلي والتقرّب إلى مسؤولين عن ناديه، في حادثة أثارت استغراب ودهشة الشارع الرياضي الخليجي، الذي فوجيء برجوع الخزعبلات والدجل إلى الملاعب بعد ما ظنّ أن ذلك العهد ولّى منذ زمن بعيد. وحقيقة أن الاعتقاد بجدوى استخدام السحر وفعالية الشعوذة في تحقيق نتائج خارقة، مازال يسيطر على أذهان الكثيرين على رغم أن الحديث لم يعد بتلك الدرجة التي كان عليها في السبعينات مثلاً، غير أن لجوء لاعب دولي إلى السحر في زمن الإنترنت وتقنية الديجيتال يعتبر - إن صحّ - نكسة كبرى من شأنها أن تعيد الرياضة الخليجية إلى زمن الاعتقاد بسطوة الساحر وقدرات المشعوذين الخفية، بعيداً عن جدوى برامج الإعداد الرياضي والتطور الذي أصاب فنون التدريب. ونذكر جميعاً قبل سنوات حين رفض لاعبو فريقين محليين الدخول إلى الملعب أولاً، بعدما راجت إشاعة مفادها أن ساحراً قال إن الفريق الذي سيدخل إلى أرض الملعب أولاً سيمنى بخسارة قاسية أمام منافسة التقليدي في المباراة، ماجعل صافرة البداية تتأخر نحو 15 دقيقة في انتظار أن يدخل الفريق"المنكوب"أولاً، وبعد محاولات من المسؤولين وافق اللاعبون على الدخول في لحظة واحدة حتى يبطلوا العمل المزدوج للساحر! ولم تكن تلك الحادثة وحدها مايبرهن أن لدينا من يزرع الوهم في أذهان اللاعبين والمشجعين، فالأحداث كثيرة ولا تجد لاعباً سابقاً إلا ويتحدث لك عن طقوس كان يمارسها بعض اللاعبين ورؤساء الأندية قبل المباريات الحاسمة بحثاً عن الحظ والإضرار بالفريق المنافس. ويحكي أحد اللاعبين المعتزلين أنه لم يكن يؤمن بأن للسحر والشعوذة تأثيراً حقيقياً على تحديد هوية الفائز، غير أنه كان يقوم بتصرفات من صنع خياله ولاعلاقة لها بالسحر من أجل إيهام لاعبي الفريق المنافس بأن سحراً يمارس ضدهم، على نحو الذهاب إلى مرمى الخصم والتظاهر برش الملح أو شدّ الشباك بطريقة غريبة، ومن ثم إطلاق عبارات في آذان لاعبي الفريق الخصم للتأكيد أنهم يلعبون تحت تأثير السحر وأن النتيجة محسومة سلفاً، مايجعل اللاعبين يخسرون اللقاء نفسياً من دون أن يكون هناك سحراً أو شعوذة في الملعب! أعتقد أن من واجب الإداري المؤهّل أن يحصن لاعبيه من الخضوع لفكرة أنهم مسيرون بفعل السحر، وأن سطوة العمل الذي يقوم به المشعوذ ستحدد نتيجة المباراة، خصوصاً أن كثيراً من اللاعبين من صغار السن وهم يستمعون بكثرة من الجماهير عن تأثير السحر على جاهزيتهم البدنية أو تعرضهم للإصابات، وعلينا جميعاً أن نحارب تلك الأفكار على اعتبار أن المنطق هو من يفرض نفسه، حتى وإن كنا نؤمن أن للسحر تأثيراً لكنه في نهاية الأمر يبقى تأثيراً محدوداً، وكلنا نذكر في كأس أمم أفريقيا الأخيرة في غانا عندما خصص أحد الاتحادات مقعداً لأحد السحرة المشهورين في بلاده من أجل متابعة اللاعب المصري محمد أبو تريكة وشلّ حركته، غير أن البطولة استمرت وتمكن أبو تريكة من قيادة مصر للفوز بكأس أفريقيا، تاركاً للساحر ممارسة الدجل على البسطاء وإشغال لاعبي منتخبه عن الاهتمام بالتدريبات في انتظار أن يصدق ذلك الدجال ويمنحهم الكأس القارية... خلاصة القول إننا نؤمن بوجود السحر لكننا لانؤمن أنه يسيّر أمور حياتنا ويتحكم في مصائرنا لأننا نؤمن أن خالق الكون هو من يسيّر هذه الحياة، وأننا نتعرض إلى كثير من الصدف السعيدة والبائسة بتدبير من الخالق وليس من خلقه. [email protected]