تختلف الثقافات العربية في كثير من جوانبها، لكنها تتفق جميعها على نعت من يتصف بالغباء والكسل بأنه"حمار"... وهذا في حد ذاته من وجهة نظري جانب إيجابي أن يتم الاتفاق على فكرة معينة، و"الحمار"لا يعد غريباً عن تلك الثقافات، إذ تشغل"الحمير"حيزاً كبيراً من الإرث الثقافي العربي، ولطالما حقرها ذلك الإرث واستغلها في قصص تم إدراجها للتندر أو للعبرة، لا سيما أن الغباء والبلادة صفتان التصقتا بهذا المخلوق المسالم منذ القدم، إذاً التشبيه ب"الحمار"وصف موغل في القدم، ويقال"أجهل من حمار"، أي انه لا يفقه شيئاً، وتلك من الشتائم التي يتضمنها قاموسنا، ولعل المعلمين، ونظراً لسعة اطلاعهم على تلك الموروثات وتأثرهم بها، كثيراً ما يتداولون ذلك الوصف ويوجهونه لطلبتهم. لكن بحسب الغرب فإنهم يمدحونهم من حيث لا يعلمون، إذ يرى الباحثون هناك أن"الحمار"حيوان ذكي، ولعل تلك واحدة من الاختلافات بيننا وبين الغرب، فبينما هم يُبدون اهتماماً أكبر ب"الحمير"، وينشئون لها جمعيات رفق ورعاية وغيرها، نقف نحن في الجانب الآخر معتبرين انه "حيوان كسول غبي لا يمكن الاستفادة منه في ظل التطور الميكني الذي توصل له العقل البشري". واستخدمت الحمير"بحسب موسوعة ويكيبيديا"من جانب المصريين والآشوريين قبل نحو أربعة آلاف سنة قبل الميلاد، وسبق استخدامها الخيول بنحو 2000 سنة قبل الميلاد، ما جعل تاريخها يزخر بالكثير من القصص والروايات، لكن وإحقاقاً للحق لا بد ان نشير الى ان"الحمير"، مهما كانت سمعتها ملطخة، فهي أكثر وفاءً من البعض... إذ لم يسبق لها ان ارتدت حزاماً ناسفاً لتفجير أبناء جلدتها، وأيضاً لم تدعم بأموالها من يريد خراباً في مواقع إقامتها، وأخيراً لم تسع إلى الانشقاق والانسلاخ عن هويتها، فهي تفخر ب?"حموريتها"، فلم تسع للتزود بوقود نووي لتفعيل سرعتها، ولم تهدد الفصائل الأخرى حولها، ومن خلال قصصها يتضح أن "الحمير"تعرف حجمها وإمكاناتها ووضعها، فهي لا تحاول أن تتسلق على أكتاف الآخرين، وأيضاً لم تستعن بطفيليات لإزعاجهم. إذاً"الحمير"، على رغم كل ما يقال عنها، تبقى أكثر وفاءً من الكثير، وأرجح عقلاً من آخرين، وعن رجاحة عقلها يقال "إن فريقاً من المهندسين يعمل على شق إحدى الطرق الجبلية، واستغرق بعض الوقت من دون ان تنجح دراساتهم، في وقت كان احد كبار السن يراقبهم بشكل يومي، فبادرهم في أحد الأيام، وهم في حال يأس وقال لهم"لماذا لا تستعينون بحمار؟"، فاستغربوا اقتراحه، ورد أحدهم ما الذي يمكن ان يفعله"الحمار"، مقارنة مع فريق من المهندسين يعكفون على درس إنشاء طرق بأفضل المواصفات؟، فأجابهم "قريتنا استعانت بالحمير لتخطيط طرقها كافة، ونجحت. فرد أحدهم وماذا لو استعنا بحمار، ولم يفلح؟ فأجابه المسن على الفور"عندئذ نأتي بمهندسين". وإذا كانت تلك قصة تعج الكتب بمثلها ونقيضها، فإن أحد الأصدقاء يأبى إلا أن يحتفظ بصورة"حمار"في منزله، ويعتبره صديقاً وفياً، ولو طلبت منه ان يعدد خواص"الحمار"وفوائده لسردها لك وهو في قمة الاستمتاع والسعادة.بقي أن نقول: إن ل?"الحمار"معجبين، إلى جانب الصديق الذي أشرت إليه، ويبدو ان أكثر معجبيه هم من الحزب الديموقراطي الأميركي، فهم يتخذونه شعاراً لهم، وهذا من وجهة نظري يدل على ان مؤسسي الحزب لديهم قناعة انه بخلاف الصفات التي التصقت ب?"الحمار"فهناك خصال جيدة، منها الصبر على الأقل! ولعل ذلك يقنعني إلى حد ما، فلو سلّمنا أن الحمار مثلما نعرفه وتصفه كتبنا، لكان الحزب الجمهوري الذي جرّ بلاده والعالم إلى أزمات ومصائب وما زال، أجدر باتخاذه شعاراً له، بدلاً عن الفيل! [email protected]