ربما تساءلتم مرارا ما الحكاية خلف الحمار والفيل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية؟ ولهذا سنعود معا إلى العام 1828م حينما أخذ معارضو المرشح الديموقراطي آندرو جاكسون ينادونه ب «الغبي» مع استعارة كلمة «جاك-آس» لوصف جاكسون، وجاك-آس هو ذَكَر الحمار، المتهم بالغباء والبلادة كما يشيع بين العوام. وبإيجابية كبيرة، لم ير المرشح آندرو جاكسون أن في هذا الوصف ما يسيء إليه، مرددًا: «الحمار قوي الإرادة وطيب النوايا» وأخذ يستخدم صورة الحمار على إعلاناته الخاصة بالترشيح، فانتبه الناس لحملته وحقق نجاحا من خلال ما ظنه الجمهوريون إساءة محبطة. ومع مرور السنين، انتبه لجرأة الفكرة آنذاك فنان الكاريكاتير توماس ناست، وقام برسم الحمار في صحيفة «هاربرز ويكلي» في العام 1870م للإشارة إلى الديموقراطيين، وأصبح الشعار أشهر من نار على علم، بل وترسخ شعارا رسميا للحزب حتى يومنا هذا. وما كان توماس ناست ليترك الجمهوريين وشأنهم، ففي العام 1874م رسم توماس حمارا يرتدي جلد أسد ويزأر في حيوانات الحديقة ويرعبهم، بما فيهم فيل خائف كتب عليه «التصويت الجمهوري». ومن هنا التصق الفيل بالجمهوريين وأصبح شعارًا لهم. ورغم الاستهجان الذي تلقاه هذه الأعمال الفنية الخالدة في بداية نشرها في وسائل الإعلام، إلا أنها سرعان ما تتحول إلى دساتير خالدة بفضل عمق رؤية الفنان وأبعاد وعيه بقضايا مجتمعه والظواهر والمستجدات فيه. وبهذا أصبح للديموقراطيين حمارهم الذي يصفونه بالذكاء والشجاعة، وأصبح للجمهوريين فيلهم الذي يؤكدون أنه صاحب قوة وعصيّ على الجميع المساس بكرامته. بالمناسبة، توماس ناست هو الذي رسّخ في ذهن الغرب الصورة المحببة ل (سانتا كلوز) أو بابا نويل كما يقال أحيانا، تلك الشخصية الكارتونية اللطيفة، التي توزع الهدايا على الصغار وهم نائمون ليلة أعياد الميلاد، حيث ساهم في تأويل الخيال وإحالته إلى أيقونة خالدة عندما رسم سانتا 33 مرة في 33 كاريكاتيرا منذ العام 1863م وحتى العام 1886م. هذا هو أحد أدوار الفنون الإبداعية في المجتمعات الحديثة، وهذا هو التغيير الخالد الذي تتركه في الإنسان وفي المكان، رغم ما قد يعتري الرحلة من مقاومة ورفض في كثير من الأحيان. يحدث التغيير الاجتماعي بالفنون.. ليبقى تغييرًا إيجابيًا راسخًا، يظل قائمًا بسبب ما تحقق من فهم وتلقٍّ جديد ومختلف، سواء للواقع أو حتى الخيال.