لن أطيل القول في نصيحتي وسأتمثّل بقولكم أيها الاعراب خير الكلام ما قل ودل وخير الكلام عندي هو أن تصدقوا النوايا وتحسنوا السجايا وأن يكون نظركم دائماً إلى الأعلى لترتقوا وأن تعيشوا حياتكم كجسد واحد يبدو أن الصورة السوداوية التي نسجها سلف الأعراب وتتابع تصديقها الخلف من بعدهم عن شخصية الحمار وما تتسم به تلك الشخصية من الغباء الفاحش ماهي إلا محض افتراء وتهمة باطلة ضمن منظومة طويلة من التهم الباطلة التي كانوا يوزعونها في كل الاتجاهات ولا زالت الأجيال تتوارثها وتعيد توزيعها حسب الزمان والمكان ويبدو أن شخصية الحمار المتهمة دائماً بالغباء حتى اصبحت مضرباً للأمثال العربية قد أبانت في حوارنا المقبل الدلائل الكبرى على بطلان تلك التهم وبالتالي بطلان كافة الأمثال والنوادر التي ترتبت عليها وهذا بدوره يؤكد أن الحمار يتمتع بالكثير من المواهب والقدرات وفنون الذكاء التي تجعل منه مخلوقاً يشار إليه بالبنان ويسترشد بآرائه في المحافل ولعل هذا الحوار الذي دار بين أحد أبناء الأعراب المرفهين جداً والمتعالين جداً وبين ذلك الحمار الذي كان يرمح وسط الغابة باحثاً عن رزقه الحلال يؤكد عمق تفكيره وحسن تدبيره وبعد نظره وسلامة اتجاهه وحتى لا نطيل عليكم دعونا نعيش سيناريو ذلك الحوار الذي دار بين الطرفين: الاعرابي: أراك أيها الحمار قد اعتزلت حياة المدينة والقرية واتجهت إلى حياة الغابة الموحشة بوحدتها وحيواناتها المفترسة ومسالكها الوعرة فما أسباب هذه الهجرة؟ وهذه العزلة؟ الحمار: أيها الاعرابي المرفّه أراك تتحدث وكلك ثقة أن ما تعيشونه هذه الأيام تطلقون عليه حياة هانئة ونسيتم أن الحياة ليست بحسن الهندام وجدته ونعومته وليست ببناء القصور والمباني الشاهقة والجسور والانفاق وما تملكونه من أدوات تقنية حديثة طالت كل صغيرة وكبيرة من حياتكم المرفهة حتى أصبحتم تتحركون كتلك الأدوات بدون أن يكون لكم في الأمر شيء بل هي بالفكر أولاً ثم يأتي بعد ذلك مطالب الحياة الأخرى من غذاء وكساء ودواء وها أنا ذا أعيش هذه الحياة بكل صورها لا يخاصمني في حياتي أحد ولا يتجرأ أحد أن يفرض عليّ حركاتي وسكناتي ومأكلي ومشربي ومسكني فكل الغابة مُلك لي وبها تتوفر سبل الحياة الشريفة أما أنتم أيها الأعراب فحياتكم اضحت مسيّرة تأكلون كل ما يرد عليكم بسمومه وتلوثه وليس لكم حق الاختيار لأن كل شيء تأكلونه يدخل بيوتكم دون رقيب أو حسيب وأصبحت الأمراض تتقاذفكم من كل جانب ولا سبيل لكم إلا الاستسلام لذلك الدواء المشبوه أو المنتهي صلاحيته أو المسرطن أو من فرضه عليكم طبيب مزور أو تاجر فاجر. وأرى بيوتكم أصبحت هشة في بنائها وأساسها وأثاثها وتنتظر أن تتهالك أمام لحظة من وقت كارثة وأرى شوارعكم قد أمتلأت بالحفر والمزالق وسالكوها ممن يركبون تلك العربات الفارهة ينطلقون بها كخراف هربت من زريبتها وأرى البعض منكم لا يستطيع توفير أدنى متطلبات حياته من مأكل وملبس ودواء وأرى البعض القليل من تجاركم يتحكم في طعامكم وشرابكم ومسكنكم وملبسكم. أما أنا فكما تراني أعيش حياة رغيدة آكل ما أريد وأتجه كيفما أريد وكل الغابة مسكن لي والهواء النقي يحيط بي والماء الزلال غير المحلّى والمحلل فهل تراني مخطئاً في هجرتي لكم. الأعرابي: أحرجتني ياحمار وألقمتني الحجر بحجتك وحسن تدبيرك وتفكيرك لكنني اسألك ما سر هذا التحول في تفكيرك وأسلوب حياتك وقد كنت قبل ذلك تعيش بيننا معززاً مكرماً؟ الحمار: اعترف أنني كنت أعيش بينكم لكنني لست معززاً ومكرماً كما ذكرت لكن ظروف حياتكم وحاجتكم إلى خدماتي الدائمة في أزمنة مضت أجبرتني على البقاء بينكم أسعى لخدمتكم حتى لا تصفوني باللآمة ونكران الجميل لكن بعد أن توفرت لكم البدائل التي أغنتكم عن خدماتي أطلقت عنان حريتي واتجهت إلى مكان آمن لا يظلمني فيه أحد ولا يسلبني فيه أحد ولا يضطهدني فيه أحد وكل أخواني فيه من الحيوانات المفترسة وغير المفترسة يبادلونني الحب والاخاء والصدق والوفاء نتقاسم فيه الماء والطعام سواسية لا فرق بين مفترس وغير مفترس! الأعرابي: أراك أيها الحمار قد غلبتني بحسن صبرك وفكرك فهلا قدمت لنا نصيحتك الصادقة؟ الحمار: لن أطيل القول في نصيحتي وسأتمثّل بقولكم أيها الاعرابي خير الكلام ما قل ودل وخير الكلام عندي هو أن تصدقوا النوايا وتحسنوا السجايا وأن يكون نظركم دائماً إلى الأعلى لترتقوا وأن تعيشوا حياتكم كجسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى ولمن ينظر إليّ نظرة استهجان من الأعراب أقول أن أحد أكبر الأحزاب في دولة هي الأكبر والأقوى بين دول العالم قد اتخذت من اسمي ورسمي شعاراً لحزبهم فهلا تقبلون نصيحتي الصادقة؟! .