! عندما ينوى أحدهم تحقيق الحلم الذي طال انتظاره وأفنى أيام عمره في الوصول إليه بأن جمع من حطام الدنيا واستدان ما بقي لشراء قطعة أرض في أقصى بقاع المدينة لبناء مسكن يأوي عائلته، وأن يستفيد مما تبقى عن حاجته لتأجيره، ويستفيد من دخله المادي الإضافي ليكون عوناً له في نوائب الحياة... بعد أن يزيح الحمل الثقيل الذي اتعب كاهله من الديون والمبالغ الطائلة التي اقترضها لأجل أن يرى أمامه الحلم وقد أصبح حقيقة. وقبل أن يبدأ خطوات تحقيقه، فإنه يظل في تفكير دائم، وهم مستمر ليس في عملية البناء، وإنما همه الأكبر هو الشخص الذي سيؤجره جزءاً من ذلك الحل، ناهيك عن هم البناء، حيث أصبح هم البحث عن المستأجر اكبر من البحث عن قطعة الأرض وبنائها، جراء ما يحدث هذه الأيام من الأضرار التي تقع على أصحاب العقارات من بعض المستأجرين، إذ يأتي بعضهم، ويسكن في مِلك أحدهم ويكون بينهما عقد موثق، ويأتي المستأجر عند طلبه من أصحاب العقار بأن يسكن في عقاره ويظهر تشبثه بالأمانة وبحرصه على الوفاء وسداد الإيجار في وقته المحدد، وقد يصل به التزييف بأن يوهم صاحب الملك بأنه سيسعى جاهداً لسداد الدفعات قبل حلولها. وبعدها يجول صاحب العقار في البحث عن هذا المستأجر، وكأنه لم يأتِ مستأجراً بل جاء خاطباً لإحدى بناته، وعندما يحين موعد سداد الدفعات يظهر الوجه الحقيقي لذلك المستأجر، ويبدأ في التهرب وسرد الأعذار الواهية، وعندما يتطور به الحال يبدأ بإطلاق التأفف ويصرخ في وجه صاحب العقار:"يا أخي شايفنا حرامية، بنعطيك حقك بس اصبر علينا". وتمضي الأيام، وتتبعها الأسابيع، وتلحقها الشهور، وتتراكم الدفعات ويزداد المبلغ وصاحب العقار يناشد ويتسول المستأجر ويرجوه أن يعطيه المبلغ المستحق عليه والمتأخرات... ولكن"لا حياة لمن تنادي"، وعندما تنقطع كل السبل والحلول، بعد إدخال الوسطاء وأهل الخير يأتي صاحب العقار إلى المستأجر ويهدده باستخدام الورقة الأخيرة والرابحة بأنه سيلجاً إلى السلطات المسؤولة لأخذ حقه بقوة القانون، ولكن القنبلة تفجر من فم المستأجر بصرخات مدوية في وجه صاحب العقار"روح اشتكي"! وهنا يفرض سؤال مهم نفسه: ما الذي جعل المستأجر وبكل قوة يصرخ بهذه العبارة المتحدية؟ ويذهب صاحب العقار ويرفع دعوى ضد المستأجر المماطل في الجهات الرسمية، وتبدأ رحلة أخرى من الشقاء والعناء، إذ يُخطر المستأجر بضرورة الحضور إلى الجهة التي تنظر الدعوى، والكثير منهم يماطلون لمعرفتهم بالنظام والقوانين في ذلك... وبعد غيابه عن الحضور متجاهلاً الإخطارات الرسمية بالمواعيد الثلاثة، يحضر في الموعد الرابع، بعد أن يكون قد مر بين الموعد الأول من الإخطار الأول إلى الثالث مدة تسعة أشهر تقريباً، إضافة إلى المدة التي قضاها صاحب العقار في الصبر والانتظار قبل الدخول في أروقة الدعاوى والشكوى ضد هذا المستأجر. وعند حضور المستأجر فإن الأمور تحل بأن يُخلي هذا المستأجر المسكن، ولفترة محدودة وتطوى صفحات هذه الدعوى! بمعنى أن صاحب العقار كان مستضيفاً ذلك الشخص في منزله وليس مؤجراً له، إذ خرج من منزله من دون إعطائه الإيجار المتفق عليه في العقد السابق، ناهيك عن الدوامة التي سيخوض غمارها إذا أخلى المستأجر المسكن ولم يعط صاحب العقار مفتاح المسكن، فإنه سيقوم بالاستعانة بالجهات الرسمية لأخذ الإذن بأن يفتح المسكن الذي يمتلكه لخوفه من أن المستأجر المماطل يكون ترك شيئاً، أو أنه لم يترك أي شيء، وعندما يقوم صاحب العقار بخلع الباب وكسره سيتهمه بالسرقة، وأنه أخذ من المسكن أشياءً تخص المستأجر المماطل التي نسيها حين خروجه! مع العلم أنه في الكثير من الدول من السهل الحصول على المسكن الذي يتناسب مع الشخص الذي يطلبه، ولكن من الصعوبة إنهاء إجراءات السكن إلا بعد إعطاء صاحب العقار الأوراق الثبوتية المعتمدة من الجهات الرسمية والكفلاء الضامنين والتأمينات المشروطة والأوراق التي تثبت أن ليس عليه قضايا مالية، أو محكوميات سابقة لتأخره عن السداد، والكثير غيرها من الأمور التي من شأنها ضمان حق المالك والمستأجر معاً. والفئة التي اقصدها هنا هي فئة المستأجرين الميسورين الذين يهتمون بالكماليات ويهملون الأساسيات التي من ضمنها سداد الأجر المستحق لصاحب المسكن... والمماطلون بإصرار وترصد، وأيضاً قبل هذا وذاك لابد من التكافل الاجتماعي في ما بيننا، والوقوف مع بعضنا البعض في المحن والشدائد، فقد يمر بالإنسان بضوائق مالية في حياته تجبره على إنفاق جميع دخله الشهري للخروج من تلك الضوائق، فينبغي على صاحب العقار من باب الواجب الديني المساعدة والصبر إلى حين ميسرة، ولكن للصبر حدود! يتمنى أصحاب العقارات أن تسن قوانين صارمة، تضمن حلولاً سريعة تكفل لهم أخذ حقوقهم من المستأجرين المماطلين الميسورين، كما هي الحال بوجود تلك القوانين الصارمة في ضمان حقوق المستأجرين، أما أنا فأتمنى ألا تقع عينا صاحب العقار الذي أستأجره على هذا المقال. * اختصاصي اجتماعي [email protected]