يؤكد عدد من العقاريين وملاك المباني السكنية أن موضوع تحصيل الإيجارات من المستأجرين ما زال يفتقد النظام الذي يرجع إليه في حال الخلاف بين المؤجر والمستأجر، خصوصاً في ظل ارتفاع عدد القضايا ادى الى أن الكثير من أصحاب الشقق والمباني المعدة للإيجار يتنازلون عن مبالغ كثيرة في سبيل إخلاء المستأجر المماطل في دفع الإيجار للمبنى أو الوحدة السكنية، إضافة إلى أن هناك أشخاصاً كثيرين يدفعون مبالغ للمستأجر في سبيل خروجه من العقار المؤجر. وتبدو قضية تحصيل الإيجارات الشغل الشاغل للقطاع العقاري وللحكومة على حد سواء، لدرجة تدخل أمراء المناطق في هذا الموضوع، ويبرز كذلك في هذا الجانب العرف الاجتماعي والخصوصية الدينية التي استغلها البعض من مبدأ الصبر على الفقير والمحتاج والمعسر، ما جعل الكثير من المستأجرين يستغلون ذلك، خصوصاً في معرفتهم بقصور الجهات التنفيذية وتعاطف الجهات القضائية في مثل هذه الحالات التي لا تستند إلى نظام صارم يحد منها. يقول أحد ملاك الشقق والوحدات السكنية السيد سعيد بن سالم الدوسري إنه يعاني كثيراً من بعض المستأجرين حتى إنه في إحدى القضايا التي طالب فيها المستأجر بدفع الإيجار اضطر إلى أن يعطي القضية إلى محام كي يحصل له حقوقه المقدرة بنحو 60 ألف ريال، إيجار ثلاث سنوات، وذلك عقب مماطلة المستأجر من جهة وعدم وجود جهة رسمية تلزم المستأجر بدفع الإيجار. وأشار إلى أنه كان يعاني من مماطلة المستأجر في بعض الأحيان والتهرب حيناً آخر وعند مراجعة الشرطة لم يجد نظاماً صارماً لذلك، حول القضية إلى الحقوق المدنية التي بدورها أعطت عدداً من المواعيد التي لم يحضر فيها المستأجر وفي النهاية كلفت الشرطة بخطاب إحضار المستأجر ولكن لم يحضر على رغم إبلاغه بذلك. وذكر أنه في نهاية المطاف اضطر إلى أن يتنازل عن جزء من المبلغ مقابل خروج المستأجر من البيت ودفع جزء آخر للمحامي وفي النهاية يتساءل الدوسري: أين النظام الذي يكفل لصاحب العقار حقوقه في ظل وجود أعداد كثيرة من المستأجرين المماطلين؟ ويقول أحد مالكي العمائر المؤجرة السيد عبد الرحمن السبعان: إن مشاكل المستأجرين أخذت تتفاقم في ظل عدم وجود نظام صارم يحفظ حقوق الكثير من ملاك العقارات ويرى أن المستأجرين المماطلين يستغلون ذلك ويتنقلون بين عدد من الأحياء ويسكنون بالسنوات من دون أن يدفعوا إيجارات، بل بعضهم يحصل على مبالغ كبيرة من أصحاب العقارات مقابل إخلاء المنزل المستأجر. وأشار إلى أن صاحب العقار لو تصرف بأي تصرف يضر المستأجر مثلاً إذا عمل على فصل التيار الكهربائي أو الماء أو قفل مدخل المنزل أو أي عمل آخر فإنه سيتعرض للسجن أو العقوبة، بينما المستأجر يماطل في دفع الإيجار ويرفض بحجة عدم قدرته على دفع الإيجار أو أي عذر آخر، فلا يجد من يعاقبه أو يطبق عليه النظام الذي يحمي حقوق الآخرين. وطالب السبعان بضرورة إيجاد نظام صارم يحمي حقوق أصحاب العقارات ويلزم المستأجر بدفع الحقوق المطالب بها، مشيراً إلى أن الكثير من أصحاب العقارات يفضل بقاء عقاره من دون إيجار على أن يؤجره بمبالغ كبيرة يدفع منها جزء عند الاستئجار ويضيع الباقي في نهاية المدة. ولمعرفة رأي أصحاب المكاتب العقارية التي تقوم بكتابة عقد الإيجارات وتأجير العقار على المستأجرين التقت جريدة"الحياة"عدداً من العقاريين لمعرفة أبعاد القضية. قال صاحب مكتب عقار السريعي للعقارات السيد أحمد سعد علي السريعي: إن وضع العقار في السعودية يحتل جزءاً كبيراً من الاقتصاد الوطني الذي تبني عليه الدولة آمالاً كبيرة، وهناك عدد من العوامل التي تحول دون استمرارية هذا الجانب ومنها عدم وجود جهة رسمية مختصة تقوم بحل المشكلات التي تحدث بين المالك والمستأجر، إضافة إلى عدم جدوى الوسيلة المعمول بها حالياً بين الملاك والمستأجرين ومكاتب العقار لتحصيل المبالغ المتأخرة على المستأجرين وكذلك عدم جدية الجهات المسؤولة عند اللجوء إليها من قبل الملاك أو من ينيبون من محامين أو غيرهم، ما يجعل الطرف الثاني أكثر مماطلة في ظل تعدد الجهات التي تمر بها سير الشكاوى والقضايا في هذا الموضوع. ويرى السريعي أن هناك حلولاً يقترحها من أهمها، استحداث جهة مختصة لاستقبال شكاوى المتضررين والبت فيها حالاً وعند عدم تجاوب المستأجر يحال إلى لجنة تنفيذية مختصة، وعند استنفاد جميع الطرق وعدم مقدرة المستأجر على دفع الإيجار تحال الشكوى إلى الإمارة للفصل فيها. وأشار إلى أن مثل هذه القضايا لها تأثير على الاستثمارات العقارية حيث نسمع عن تضرر أصحاب العقار من المستأجرين وعدم التقيد بتنفيذ شروط العقد بينهم، ما ينتج عنه عواقب سلبية بينهم، وهذا بلا شك سيؤثر على الاستثمارات العقارية مستقبلاً إذا ما وجد الحل الحازم الذي يحفظ حقوق الجميع. ويقول رجل العقار بندر علي الغامدي إن من أسباب مشكلات الإيجارات وتهرب كثير من المستأجرين عن دفع الإيجار يعود إلى تحويل المؤجر المشتكي إلى المحكمة المستعجلة التي تعطي مواعيد بالأشهر بين الجلسات، وعدم وجود آلية تلزم المستأجر على الحضور وفي النهاية تنتهي المعاملة بالحفظ في الأرشيف بعد عجز المشتكي صاحب العقار عن إنهاء معاملته وملله وترك المعاملة في ظل عدم وصوله إلى نتيجة حازمة، إضافة إلى وجود كم هائل من الشكاوى من هذا النوع لدى المحكمة. وأشار إلى أن هناك عاملاً آخر يسهم في تلك القضية وهو أن المحكمة لا تطلب من الشرطة إحضار المستأجر إلا بعد ثالث طلب وقد يكون مضى على المعاملة أكثر من ستة أشهر على الأقل، في الوقت الذي يكون التجاوب من الشرطة ضعيفاً، بسبب انشغالهم بما هو أهم من ذلك، على حد قول مراكز الشرطة، وكل ذلك يفتح شهية المستأجر في المماطلة، بعد علمه بهذه الإجراءات، ويتفنن في تعذيب المؤجر وبعضهم يردد يا ليل ما أطولك حتى صار البعض من المقيمين يحذو حذو السعوديين ويقدمون لهم النصح والمشورة في ذلك ووصل الحال إلى أننا نعرض على المستأجر الخروج من العقار من دون دفع إيجار، من له ستة أشهر أو سنة ولم يدفع ويرفض الخروج بحجة عدم وجود شكوى ضده والمطلوب هو متابعة الشكوى ويرفض الخروج. ويرى الغامدي أن الحل لمثل هذه الحالة هو تفعيل خطاب نائب أمير منطقة الرياض سمو الأمير سطام بن عبد العزيز رقم 101/2/105 ق 92 بتاريخ 6/9/1425ه والمتضمن اتخاذ إجراءات حاسمة لحفظ حقوق أصحاب العقارات ببنوده الثلاثة الحازمة. كذلك يجب إلزام المستأجر بإحضار تعريف من عمله موضحاً به راتبه الشهري، بحيث يتضح مدى قدرته المالية على الوفاء بالتزاماته لأن بعض المستأجرين يستأجر بأكثر من قدرته على الدفع، وعند حلول القسط تبدأ المماطلة والتهرب من الاتصال به ثم تظهر المشكلة، حيث إن بعض المؤجرين يعطي مهلة بالشهر والشهرين، وبعد ذلك نجد المستأجر يرفض دفع الإيجار ويقول أمامكم المحاكم، خاصة إذا علم بطول الإجراءات، مشيراً إلى أن مكتبه منع أكثر من مشكلة كبيرة كانت ستقع بين المؤجر والمستأجر كادت تكون أكبر من الإيجار. وعن تأثير مثل تلك الظاهرة على الاستثمار العقاري قال: إن ذلك سيؤدي إلى إحجام المستثمرين الكبار والصغار عن الاستثمار في القطاع السكني، كذلك لجأ أكثر من نصف المستثمرين، ترك عقاراتهم خالية واتجهوا إلى الأسهم وأصبحوا يفضلون التأجير على الشركات والمؤسسات والأجانب ورفض المستأجر السعودي. كذلك بسبب هذه الظاهرة ستقل العروض وترتفع الأسعار من حيث التأجير ويبقى ذوو الدخل المحدود في حيرة حيث يضطر أحدهم إلى أن يقدم على البنوك، طالباً السلفة أو بيع سيارته أو التسليف حتى يتسنى له الإيجار له ولعائلته، لذلك يجب إيجاد نظام صارم لمثل هذه الظاهرة. من جهة أخرى يقول صاحب مكتب تركي للعقارات، تركي عيضة المالكي: إن الأسباب التي أدت إلى هذا الوضع هي، عدم المبالاة من قبل كثير من المستأجرين وكذلك عدم وجود نظام عقاري يحمي المالك، حيث إن المالك لا يستطيع أن يتصرف في عقاره بعد تأجيره، وعند مطالبته بالإيجار المتأخر عن طريق الجهات المختصة عليه أن يستمر في المراجعة لهذه الجهات أكثر من ستة أشهر، وبذلك أستطيع أن أقول إنه لا توجد حماية للمالك ولا يوجد نظام واضح وصحيح للإيجارات ولا قانون موحد.ويرى أن من الحلول التي يقترحها لذلك، إصدار عقد إيجار موحد لجميع مكاتب العقار شاملاً شروطاً صارمة في مصلحة المالك والمستأجر، كذلك أن تكون هناك شبكة عقارية لجميع المكاتب لمعرفة العملاء أو الأفراد المماطلين قائمة سوداء الذين لا يدفعون الإيجارات لكي يؤخذ الحذر منهم، إضافة إلى ذلك يجب تخصيص مكاتب للتأجير فقط متخصصة في إدارة الأملاك، وبذلك يحق للمالك وبموجب العقد الموقع مع المستأجر مراجعة الشرطة وقطع الكهرباء والماء عن المنزل في حال مماطلة المستأجر في دفع الإيجار. وطالب المالكي الشرطة بإلزام المستأجر بالسداد فوراً إذا لم يدفع الإيجار، فمن المفروض حجزه إلى أن يقوم بالسداد، مشيراً إلى أن المستأجر المماطل في دفع الإيجارات جعل الكثير من المستثمرين العقاريين يتراجعون عن الاستثمار في بناء الوحدات السكنية ما نتج عنه قلة في هذه الوحدات وزيادة حجم الطلب ما رفع سعر الإيجارات كثيراً، وخصوصاً على أصحاب الدخل المحدود. وبعد تفشي ظاهرة مماطلة المستأجرين بدفع ما عليهم من مستحقات، أكدت المصادر أن نائب أمير منطقة الرياض الأمير سطام بن عبد العزيز أصدر تعميماً إلى جميع المحافظين ومديري المراكز والشرط في منطقة الرياض، أكد فيه على ضرورة اتخاذ إجراءات حاسمة لحفظ حقوق ملاك العقارات من مماطلة المستأجرين، الذين لا يدفعون ما عليهم من مستحقات،وذلك نظراً لما ظهر من تذمر ملاك العقارات من المستأجرين الذين لا يدفعون ما عليهم من مستحقات ثابتة بموجب عقود، ما أدى إلى عدم استفادة هؤلاء الملاك من عقاراتهم وإشغالهم، وأكد الأمير سطام على أنه في حال تقدم صاحب العقار بشكوى مطالباً بمستحقات ثابتة بموجب العقد أو مطالباً بإخلاء عقاره لانتهاء مدة العقد فيحضر المستأجر ويلزم بموجب العقد، فإن امتنع يوقف حالاً حتى ينفذ ما نصت عليه بنود العقد، وإذا تلكأ وماطل المستأجر عن الحضور وظهر عدم تجاوبه فيحضر بالقوة الجبرية وتستخدم الوسائل كافة لإحضاره، بما في ذلك فصل الخدمات من كهرباء وماء، وإذا استمر المستأجر في امتناعه عن السداد أو الإخلاء بعد إيقافه فيعرض للإمارة عن أسباب امتناعه مع إبداء مرئيات الجهات المختصة في ذلك.