الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا المبعوث رحمة للعالمين، أما بعد... فقد اطلعت على بعض ما كتب عن التفاضل بين اللغات وكون العربية أفضلها، وكنت كتبت مقالاً منذ أكثر من 15 سنة، أبنت فيه رأي ابن حزم في هذه المسألة، لذلك أورد هنا بعض ما ذكرته هناك مما قد يكون فيه النفع بإذن الله تعالى للطرفين المتحاورين. إن فضل العربية على غيرها من اللغات إما أن يكون مبنياً على نص شرعي وإما أن يكون مبنياً على دليل عقلي، أما النص الشرعي فلم يرد في كتاب الله تبارك وتعالى نص على تفضيل العربية، وإنما الذي فيه أن اختلاف لغات الناس وألوانهم وانقسامهم لشعوب وقبائل من آيات الله تبارك وتعالى، وكذلك لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث يفضل العربية على غيرها، أو يفضل العرب على غيرهم، وكل ما ورد في هذا الباب ضعيف أو موضوع بحسب تخريجات علماء الحديث. وأما الدليل العقلي على تفضيل العربية فمبني على أمرين: الأول: أن القرآن نزل بالعربية، فينبغي أن تكون أفضل لغة. الثاني: أن للعربية خصائص ذاتية متعلقة بأصواتها وألفاظها ونحوها وصرفها تجعلها أفضل اللغات. أما الأمر الأول فالاستدلال به لا يصح، لأن الله تبارك وتعالى أنزل كلامه بلغات كثيرة، فكل لغة نزل بها كلام الله تشرفت به، كما تشرفت اللغة العربية بالقرآن، فلا فضل للعربية على غيرها من هذا الجانب، فنزول كلام الله بلغة لا يفضلها على غيرها، كما لا يحط من قدرها شعر المجون وكلام السفهاء فيها من شعرائها والمتكلمين بها. أما الأمر الثاني فهو الذي يستحق أن يبنى عليه التفاضل، وذلك بأن يكون ثَمَّ اتفاق عالمي على المعايير المثلى للغات، ويجري التفاضل على أساسها ليعرف أفضل اللغات. هذا والله أعلم. * أستاذ مشارك في النحو والصرف في كليات التربية للبنات.