يعد حامد بن عقيل ناقداً متهكماً، وشاعراً متقداً، وهو رئيس لمجلة جهات الثقافية"سابقاً". يفلت أحياناً من عقال الهدوء، ويرى ألا أحد يتعالى على النقد، أو يمتلك الحصانة ضده. مؤكداً ضرورة وجود تيار نقدي، يتعمد ممارسة دور المراقبة والمحاسبة. يجدد ابن عقيل اتهامه للناقد الدكتور عبدالله الغذامي بقيامه"بالنقد التكهني"، ويشرح أسباب اعتذاره عن عدم المشاركة في بعض الأمسيات في النوادي الأدبية. حول الثمن الذي يدفعه نظير جرأته النقدية، ورأيه في الروائية السعودية، والنشر الإلكتروني، حاورته"الحياة". هنا نص الحوار: "طاجن رواية سعودية بالمقبلات النقدية"هو أحد مقالاتك الساخرة، تصف فيه الروايات السعودية بأنها"طبق العصر الذي تتوحد فيه النكهة والطعم السَمِج"، هل تدعو لتغيير القالب الروائي الحالي، فيتبعه القالب النقدي ليرقى أدبنا؟ - لا أظن أنها دعوة لتغيير القالب الروائي، إنها كتابة تشمئز من المستوى المتدني للكتابة الروائية السعودية، وكذلك من مستوى النقد. النقد كان جزءاً من هذا الطبق، الذي كانت ردود الأفعال عليه متباينة جداً. ثم إن أحد النقاد كتب تعليقاً على المقال"إن بلدنا يعاني من اختناق ثقافي منذ الأزل، ولا بد من تشجيع الجميع على الكتابة!"، وآخرون رأوا في كتابة المقال، بعد مقالي عن رواية"هند والعسكر"لبدرية البشر، دلالة واضحة على أنني أحاول تعميم نموذج روائي محدد، كل هذا يوضح أن ردود الأفعال حول المقال كانت في معظمها تذهب به بعيداً عن هدفه، ولن يخفى على القارئ المتبصّر أن المقال يهاجم التناسخ الروائي ذا الطعم الواحد، والنكهة السمجة نفسها، ثم يعرض لنموذج من النقاد يمارسون التقعر الكتابي، أكثر من اهتمامهم بمشروع نقدي أو فعل تنويري، لا يتناسب ولغة التعمية التي يمارسونها، حتى إن أحدهم بدأ في اختراع مصطلحاته النقدية التي لا يفهمها أحد سواه. اتهمت الروايات السعودية أخيراً ب"الحكواتية"، فهل الروايات سواسية؟ أي أنها جميعاً مجرد"حكايات"تختلف تبعاً لثقافة الكاتب؟ - الإنتاج الروائي السعودي تهيمن عليه عقلية التأليف الجمعية، فهو أشبه بتدوينات ألف ليلة وليلة، التي كانت نتاجاً طبيعياً لحكاية شفوية طويلة تناوبت الأجيال على حكايتها، هذا الموروث"الحكواتي"كانت له سطوته على كتّاب الرواية السعودية. وقد ضربت أمثلة محددة لكتابات بعض روائيينا، مثل: بدرية البشر، قماشة العليان، يوسف المحيميد، إضافة إلى عبده خال. هل النقد"التكهني"للغذامي كما وصفته في أحد مقالاتك، أحد أسباب خلافك معه، على رغم اعتماده على نظرية النسق الأدبي؟ - الغذامي يسوّق المشاريع التي تجاوزها النقاد في العالم العربي منذ عقود من الزمن. فأي نسق ثقافي هذا الذي يعطي الغذامي بصيرة التكهن بعدد روايات أحد المبدعين، حين تنبأ الغذامي بأن علوان سيكتب 20 رواية على امتداد عمره، ثم يقامر الغذامي بتحديد عدد الروايات الرديئة وعدد الروايات الجيدة من هذا النتاج، الذي لا يزال في علم الغيب. ثم إن المقال مدعوم بمقولات نقاد ومفكرين من السعودية ومن الوطن العربي، يبينون فيه اهتزاز مواقف الغذامي وتناقض طرحه النقدي. ثم إن ما ورد لاحقاً، في لقاء الإعلام والاتصال مع الغذامي يدعو للتحير في مواجهة شخصية تتخذ من رأي المؤسسة الرسمية منطلقاً للتشكيك في إرث روائي ضخم للراحل عبدالرحمن منيف، بل جاء ترديداً لرأي رسمي يتناقض مع آراء النقاد العرب الذي رشحوا منيف لنيل جائزة نجيب محفوظ للإبداع الروائي، وقد جاء تعليق الغذامي على مقالي بأسوأ من الأسباب التي دعتني لكتابة المقال، فقد أعاد في حواره على موقع جسد الثقافة، تكهناته حول إنتاج علوان إلى إيمانه العميق بالدراسات المستقبلية وجدواها. هل جرأتك النقدية أبعدت عنك الأنظار كشاعر؟ - أعرف مدى تأثير كتابتي النقدية في تصنيفي كشاعر، لكن لا بديل عن ممارسة النقد، في ظل وجود حركة نقدية تتحكم في حركتها المجاملات، ونقد يتصدى له نقاد يحبذون نشر ما لا يورطهم في مشكلات من أي نوعٍ مع أي مبدع، لهذا كان من الطبيعي أن تسود ثقافة الامتداح النقدي، والتمرير للأعمال الرديئة، وتزييف الوعي. التشكيل البصري المقصود في لغة خطابك الشعري تجلى في ديوان"يوم الرب العظيم"، هل نعتبر هيمنة الفنون البصرية، واتساع حضورها في شعرك، تجاوزات لجمالية القصيدة الكلاسيكية؟ - هيمنة الفنون البصرية ليست هي المحرّض على وجود البعد البصري في لغتي الشعرية، لكن تجاوز جماليات القصيدة التناظرية قد يكون أحد الأسباب الرئيسية. لاسيما أنها في موروثنا، لم تكن تحفل بالجملة الدلالية الرئيسة للنص ممثلة في العنوان، أيضاً تأتي طرق كتابية متعددة لإبراز الجانب البصري في النص الحديث، من أهمها طريقة صف وتوزيع السطر الشعري، وهو أمر أعاقته كثيراً الطبيعة التناظرية في كتابة النصوص الكلاسيكية قديمها وحديثها. لا أحد يمتلك الحصانة ضد النقد على رغم كونك كاتباً حداثياً، إلا أنك دائماً ما تواجه بعض كُتاب الحداثة بنقدك اللاذع، لماذا؟ - كالتزام شخصي، لا أرى أن أي مثقف أو كاتب، أو أي تيار ثقافي، يتعالى على النقد، أو يمتلك الحصانة ضد النقد. لا بد من وجود تيار نقدي يتعمد ممارسة دور المراقبة والمحاسبة، إذا أردنا أن تكون ثقافتنا جادة وتستحق الاحترام. مشكلتنا في السعودية أن معرفتنا عموماً، ومعرفة المثقف السعودي كفرد، أياً كان، تتحول ببطء شديد، حتى تصبح فعلاً حضارياً، أقول هذا بشكل متفائل جدّاً. لا يوجد لديّ أي دليل على أن معرفة الأفراد أو المعارف التي تنتجها المؤسسات، تحولت إلى جزء فاعل من المكون المعرفي العام، وأثّرت فيه، وفي الوقت الذي يتحدث فيه العالم عما بعد الحداثة!، نجد أنه لم يبدأ لدينا إلا على المستوى النظري فقط، وبقي بعيداً جداً عن التأثير في أسلوب وطريقة تفكير المثقف السعودي، وبالتالي فهو أبعد ما يكون عن التأثير في مواقفه. ذكر نيتشه أنه"غالباً ما يُعارض رأي ما، لأن النبرة التي تقال من خلاله تثير النفور"، إلى أي حد تتطابق هذه المقولة مع نقدك الذي يصفه البعض بالصارم واللاذع؟ - إن كنتِ تقصدين المقالات الساخرة، فإنني لا أجد حداً أدنى لتواطؤ اجتماعي أو ثقافي، يمكن أن يجعلها ذات أثر ولو على المدى البعيد. أما صرامة النقد فإنني أحيلها دائماً إلى إيماني بفكرة الفلاسفة الفرنسيين، حول ضرورة وجود آلية مراقبة ومعاقبة داخل أية ثقافة، لجعلها قادرة على النمو بشكل جدّي. عموماً، لا بد من وجود قدر لا بأس به من القسوة في مراجعة الأفكار، لأن هذه القسوة هي التي تضمن، إلى حد بعيد، الإنصات إلى ما يُقال، لكنها لا تضمن بأية درجة، الإيمان بما يحتويه القول عند خلوه من المنطق. ألم تحفزك غير رواية"الفردوس اليباب"لتكرر التجربة في تأليف كتاب نقدي؟ - كانت"الفردوس اليباب"هي الأفضل بالنسبة لي، أكثر من ناقد عربي، قبل النقاد السعوديين، أشار إلى أن الأساليب الكتابية لمؤلفة الرواية، وكذلك لغتها تحمل وجوهاً متعددة قابلة للتأويل، من الصعب إيجاد أعمال أدبية في منجزنا المحلي يمكن تصنيفها على أنها آثار مفتوحة تقبل التأويل، في الغالب لا يُنتج كتّابنا إلا النصوص المغلقة التي لا تصلح لإنتاج الدلالة، وهي بهذا خارج دائرة اهتمامي النقدي. الآن، أعدّ للنشر كتاب"عصر القارئ"، وهو كتابي النقدي الثاني الذي تعتمد مادته الأدبية على أربعة نصوص أدبية قصيرة فقط، قصة قصيرة، وثلاثة نصوص شعرية. أما فكرة أن أكتب كتاباً نقدياً كاملاً عن عمل أدبي واحد، فأظنها فكرة مُستبعَدة حالياً. هل أنت راضٍ عما حققته المرأة السعودية روائياً؟ - إن فوز ثلاث روائيات سعوديات بجائزة الشارقة دليل كافٍ على أن المرأة لدينا هي الأفضل في ما يتعلق بكتابة الرواية، التي تنافس النتاج العربي، وتتفوق عليه أحياناً، أيضاً رواية كرواية"بنات الرياض"كانت ذات أثر واضح في تغيير آليات تلقي الرواية المحلية داخل المجتمع السعودي، وكذلك لدى النخبة المثقفة التي كانت تتعمد تجاهل وإقصاء الأسماء الجديدة، وفي العموم النتاج الروائي السعودي الآن أفضل كثيراً من النتاج الذي كان قبل منتصف التسعينات الميلادية. في ظل تزايد المواقع التي تهتم بالنشر الورقي والإلكتروني لأدب الشباب، هل تعتبر أن تجربة مجلة"جهات"التي تترأس تحريرها تجربة فريدة، وما سبب تفردها باعتقادك؟ ولماذا توقّفت؟ - لا أنظر إلى"جهات"على أنها تجربة فريدة. الفريد في"جهات"هو أن تحاول جمع الكتّاب الشباب في الوطن العربي، للكتابة في إصدار ليس له سقف رقابي محدد، إلا ما يضعه أي مشارك أو كاتب كسقف أعلى لكتابته، كانت تجربة استفدتُ منها كثيراً، ونجاحها في عددها الأول يُحسب لأصدقائي قبل أن يُحسب لي. ثم إن إصدارها الثاني الذي كان إصداراً خاصاً استجلب ردود فعل جميلة جداً، وما زال هناك من يطالب بإعادة طباعة هذا الإصدار. أما عن أسباب توقفها فتعود بالإجمال إلى سوء إدارتي للعمل، إضافة إلى انشغال بعض أصدقائي في المجلة باهتمامات بعيدة من الأدب، أو انقطاعهم عن المشاركة في المواقع الإلكترونية، ما أدى إلى صعوبة التواصل معهم. هل موقفك من وزارة الثقافة يجعلك تتعمد إحراج بعض الأندية، مثل اعتذارك المفاجئ عن حضور أمسيتك في نادي المدينةالمنورة؟ - لا، لم أقبل أية أمسية ثم أعتذر عنها من دون سبب. نادي المدينةالمنورة هو النادي الأدبي الوحيد الذي يستحق أن أكرر اعتذاري منه، لأنني بالفعل واجهت ظرفاً طارئاً منعني من السفر للمدينة في اليوم المحدد للأمسية. أما بقية الأندية التي تفضلت بدعوتي فقد اعتذرت، في الغالب، إما بسبب وجود تجارب شعرية لا تتناسب مع تجربتي، أو لوجود طابور من المشاركين، وهذا ما كان سبباً في الاعتذار عن دعوة لإدارة أمسية قصصية بمعرض الكتاب في الرياض، أو أن يكون السبب أسلوب دعوة غير لائق، فمثلاً أحد إداريي نادٍ أدبي وجّه إليّ رسالة يبشرني فيها بأنه سيحاول تنظيم أمسية شعرية لي،"وإن حبسه حابس فمحله حيث حبسه". ثم بعد أن شاء الله ولم يحبسه أي أمر وجَّه الدعوة إلي فاعتذرت، لأن الحضور على منبر نادٍ يديره من كانوا بمستوى عقلية هذا الإداري المثقف، ليست أكثر من إضاعة للوقت.