مستعجلون نحن مستعجلون. تجري السنون ونحن مستعجلون، ولكننا ما ان نتقدم خطوة حتى نرجع خطوتين. السائق مستعجل في سيارته، المشتري مستعجل على البائع حتى يرد له"الفكة"، والمعلم مستعجل على الطالب حتى يقدم ورقته. حتى النساء بتن اليوم مستعجلات على ورقة شيك أو ورقة طلاق، وحتى أوراق المحاماة، مستعجلون في سحبها وشدها ورميها. مستعجلون، فما رأيت أباً يرافق ابنه إلى مدرسة أو نزهة أو ملاه إلا وقال له:"هيا، بسرعة"، وما رأيت أماً برفقة ابنتها إلا ونهرتها"بسرعة يا بنت، إيش تبغي؟ اختاري"، والطامة الكبرى أنها حين تختار هذه الطفلة فإن أي اختيار هو اختيار خاطئ وقرار غبي أحمق، يعني هالمسكينة فوق الضغط العصبي الذي تفرضه الأم للسرعة والتسرع نزيد فوقه الإحباط، فيتعلم الطفل أنه في التأني الندامة وفي السرعة السلامة، وأنه من الأفضل له ألا يتخذ قرارات حتى لشراء حلوى، لأن أمه ستفرض عليه عقوبات ما عرفها العراق أيام صدام. إذا كان هذا ما نفتح عليه عيوننا منذ نعومة أظافرنا، فأظافرنا التي يريدون لها أن تكون بقوة مخلب قط هي بعد عجينة، فلا تتعلم الصبر والأناة والإتقان بل الفوضى، فإننا حقاً"ملخبطون"، و"نلخبط اللي عمره ما تلخبط". نحن نعلم النمل الفوضى والأرانب التهور والأسود الجبن، ولا تظن أن هذا في ما يخص أطفالنا فقط، بل في ما يخص أطفالنا وجدودنا وأحفادنا قبل أن يخلقوا وموظفينا وكل من تقع سيطرتنا عليه ولو كان فرخة. نحن إذا زأرنا زأرة على كل من حولنا وحوالينا أن يخرس، فنحن دائماً على حق ولا نتقبل كائناً من كان كما هو، بل كما نريد له أن يكون. ممنوع عليه أن يتحرك سنتيمتراً واحداً عن المكان الذي وضعنا صورته في مخيلتنا، هذا لو كان لنا خيال وتخيل، بل تهيئات. نحن لا نقبل إلا ما في رأسنا، وما في رؤوسنا إلا الفراغ، لأننا لا نحترم إمكانات الفرد وقدراته، مع أن رب العالمين سبحانه وتعالى يقول لنا:"لا يكلف الله نفساً إلا وسعها"، ولكن نحن الكسالى النيام نريد من السلحفاة القفز، ومن الببغاء البلاغة والشعر والخطابة، ونريد من الضفادع الصمت. ملخبطون نحن يقول لك هذا ثور!، تجيبه:"احلبه يا أخي احلبه"، يقول لك هذا قرد تقول له فليسمعني آخر أغنية، يقول لك هذا ثعلب فتسأله أين وفائه وأين تسامحه، أفلا نقدر الأمور نحن؟ حتى الخادمة نريد منها أن تكون فريق عمل متكاملاً، وكأنها ليست بشراً، نعتقد أن لها محرك سيارة، فحتى هذا في حاجة إلى وقود. نطلب ونطالب ونريد من البجع الحقد والحمل الصمود ومن الماعز النظام والانتظام، وحتى الجمل صديقنا القديم المعروف بصبره، نحن ننفده صبره ويصبح بين أيدينا كائناً منفعلاً عصبياً متوتراً ليتماشى مع رغباتنا، بدلاً من أن نحدو له، نضربه بالسياط:"اقفز يا جمل". أخبروني، كيف ستصبح لدينا زراعة تحتاج إلى وقت وصبر للحصاد، وصناعة تحتاج إلى علم وتدريب؟ وكيف سيكون لنا فن وعلم ومعرفة؟ وكيف لهذا الشاب اليافع الطري العود أن يكون له دور اجتماعي أو قيادي وأنت تستنفد قواه وقدرته قبل ميلاده؟ فما رأيت طفلاً في حضن أمه إلا وكان في نظر أمه وأبيه وعمته وخالته وجيرانه وأولاد الحتة،"الطفل المعجزة"الذي يملك الخبرة والذكاء وطرافة الحديث وشد الانتباه وسعة المعرفة والنضج والإدراك وهو لم"يسنن"بعد. بل يهيأ لهم أن له أنياباً وأنه يقوم بحركات مدرب أكروبات وأنه مطلع على تاريخ الزير سالم ونمر بن عدوان ومطلع على علم أرخميديس ويغني ولا عندليب الشاشة ويلحن ولا السنباطي ولا يتأخر، فأبيه يستعجله:"بسرعة يا ابني... يا غبي بسرعة"، وأمه تستعجله:"بسرعة يا أهبل بسرعة"، وأستاذه يعاقبه وبسرعة. أما هو فعليه أن يحبو ليدخل غول الاتحاد في مرمى الأهلي وفي الدقيقة الأولى للمباراة. صحيح هذه مباراة وليست تربية ولا توجيهاً. خلف الزاوية كن قوياً... فإن وهنت فأنا الذي سيضعف وإذا ضعت فأنا من سيتوه وإذا مرضت فأنا من سيتألم وإذا ألقيت نفسك في البحر فأنا من سيغرق وفاء كريدية [email protected]