يعتقد المتابع للتطورات التي حصلت في المملكة العربية السعودية، بعد عام على تولي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز مقاليد الحكم، أن الكتابة عنها أمر سهل، وذلك لكثرة المعطيات من انجازات وزيارات وقرارات وأوامر، أدت في النهاية إلى زيادة اللحمة الوطنية، والتصاق الشعب بالقيادة، لكن الواقع غير ذلك، فالأمر أصعب مما هو متوقع، إذ إن الكتابة عن 365 يوماً من عمر السعوديين في عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير سلطان بن عبدالعزيز، تحتاج إلى ترو وتحليل، وإلا فستضيع الكلمات، ويتحول الإنجاز إلى سرد لا يلامس الواقع الذي عاشه السعوديون خلال العام المنصرم، في ظل قيادتهم الجديدة التي عزمت على المضي قدماً نحو المستقبل. عاهد الملك عبدالله شعبه بعد مبايعته ملكاً للبلاد، على أن يتخذ من القرآن دستوراً والإسلام نهجاً، وكذلك فعل ولي عهده، وطالب الملك عبدالله الشعب في كلمة متلفزة نعى فيها شقيقه الراحل الملك فهد، بعد مبايعته مباشرة، بأن يشدوا من أزره، ولا يبخلوا عليه بالنصح، ولفت في كلمته إلى"أن الحمل ثقيل والأمانة عظيمة، فيما أكد ولي العهد الأمير سلطان بن عبدالعزيز في كلمته على استمرار المملكة في مسيرة النماء والعطاء، وهو ما حدث بالفعل. لقد كان من أبرز ملامح هذا العام الأول من عهد الملك عبدالله، اليوم الأول من هذا العام، وهو اليوم الذي أذهل العالم من خلال الانتقال السلس للسلطة، في وقت كان البعض من المتربصين يراهن على عكس ذلك، وأثبت السعوديون قيادة وشعباً، مرة أخرى، انهم وحدهم وبوحدتهم قادرون على قلب التوقعات وإثبات عكسها، والمضي قدماً في بناء الدولة العصرية، والإنسان القادر على تطوير المكتسبات وحمايتها. السعوديون يعرفون ملكهم الجديد قبل ان يبايعوه ملكاً عليهم، يعرفون ان هذا الرجل، المجبول بسمرة الأراضي السعودية بجبالها وسهولها ووديانها وصحرائها، سيأخذهم إلى المستقبل. يعرفون ان هذا الشامخ كرمح، الباسق كنخلة لوّحتها الريح، سيأخذهم إلى حيث العزة، يعرفون ان هذا"الملك البدوي"الآتي من رحم الصحراء التي لوحت رياحها أجدادهم، سيأخذهم إلى الصفوف الأولى بين الأمم والشعوب. السعوديون يعرفون، لكن غيرهم لا يعرف، ربما، ان الملك عبدالله، قبل ان تتعاظم مسؤولياته، قال وهو المسؤول عن قطاع الحرس الوطني:"أنا اعرف ضباط الحرس الوطني ضابطاً ضابطاً"، وهذا لا يمكن ان يتأتى الا لقائد التصق بضباطه وأفراده، وهو الأمر ذاته الذي طبقه عندما كان ولياً للعهد، ومن ثم ملكاً، حيث عمد إلى إزالة المنطقة الفاصلة بين المواطن والقائد، وراح يوزع الزيارات شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، يتحدث إلى مواطنيه ويستمع إليهم. زار الملك عبدالله وولي عهده، يرافقهما الوزراء المعنيون بحاجات المواطنين، عدداً من المناطق، وفي كل منطقة يزورونها، نجد الملك عبدالله يقترب من مواطنيه، وتزداد مساحة الحب في قلوبهم، وهو ختم جميع زياراته بالإعلان عن مشاريع تنموية تزيد من فرص العمل، وتحد من الهجرة من الأطراف إلى المدن الكبيرة، وتضع المنطقة التي تقع فيها المشاريع على أبواب مرحلة من النماء. هذا الحراك المستمر للملك عبدالله وولي عهده في بعض مناطق المملكة، لم يحصر الرياض في مساحتها الجغرافية ويعزلها عن قضايا امتها والعالم، بل زاد حضورها الإقليمي والدولي، وتحولت الرياضوجدة وجهتين لزعماء عرب وأجانب، جاؤوا يشاورون القيادة السعودية في قضايا عالقة، ولا أقول جاؤوا يسبرون غور القيادة الجديدة، لأن العالم كله يعلم ان النهج السياسي السعودي ثابت منذ عهد الملك المؤسس، وان المتغيرات التي تطرأ على هذا النهج في حدود المواكبة، وضمن الأطر الاجتماعية والدينية التي بنيت عليها الدولة السعودية. وفي الوقت الذي كانت فيه القيادة السعودية تستقبل هذا الزعيم وتودع ذاك، تواصل الحوار الوطني فاتحاً الباب أمام نقاشات اتسمت بالشفافية والصراحة، وجرأة الطرح على الصعد كافة، وتواصلت المشاريع والعطاءات. وانضمت المملكة إلى منظمة التجارة العالمية. كما واصلت حربها على الإرهاب وأجهزت على عدد من الخلايا، وأحبطت عدداً من المخططات، وتمكنت من حماية مواطنيها ومكتسباتها، والأهم هو ان القيادة السعودية أدركت مخططات الإرهاب، ووعدت مواطنيها بالقضاء عليه مهما طال الزمن. وفيما كان الملك عبدالله يرسم ملامح سياسته الداخلية، ويرسم البسمة على محيا مواطنيه، أوفد ولي عهده في جولة خارجية، بهدف فتح آفاق جديدة من التعاون مع مختلف دول العالم، كما قام الملك عبدالله، قبل ذلك، بجولة آسيوية، أسفرت عن تمتين علاقات بلاده مع القوى الصاعدة في شرق آسيا، من دون ان ينسى أو يتجاهل مركز بلاده عربياً واقليمياً ودولياً، ولم يكن غريباً على الملك عبدالله والأمير سلطان خلال زياراتهما لدول العالم، طرح قضايا الامتين العربية والإسلامية على قادة الدول التي زاراها، فحضرت القضية الفلسطينية، والوضع في العراق، في كل عاصمة كانا يحطان فيها. وبالقدر الكافي من الوضوح الذي خاطب به الملك عبدالله مواطنيه بعد مبايعته مباشرة، عندما طلب منهم العون والنصح، خاطبهم بالوضوح ذاته بأن لا تيارات فكرية مختلفة في المجتمع السعودي، وقال:"كلنا مسلمون"، وكان لافتاً في تلك الكلمة التي أطلقها أثناء زيارته لمنطقة القصيم، التوقيت، إذ جاءت اثر جدل حول وجود تيارات فكرية متضاربة داخل المجتمع السعودي. وبالوضوح ذاته، كانت القيادة السعودية تخاطب العالم، خصوصاً في ما يتعلق بقضايا الأمة المصيرية، ولعل ابرز تلك المواقف وأقربها، الوضوح والصراحة اللذين اتسم بهما البيان السعودي، الذي صدر عقب انفلات الأمور في لبنان جراء أسر حزب الله جنديين اسرائيليين، ما ترتب عليه قصف لبنان وحصاره واعتباره بلداً منكوباً، حيث وضع البيان النقاط على الحروف، وهي النقاط التي لم نكن نملك الا ان نداريها في السابق، حفاظاً على التضامن العربي، كما تلا ذلك البيان بيان مجلس الوزراء الأخير، الذي حمّل القوى العظمى، والولايات المتحدة تحديداً، مسؤولية ما يجري في المنطقة من إرهاب وحروب ونزاعات، ومصادرة للقرارات الوطنية.