شهد مهرجان العروض المرئية الأول المقام في مركز العلوم والتكنولوجيا في جدة، عرضاً رائعاً للفيلم الروائي القصير الصامت"القطعة الأخيرة The last piece. خمس دقائق وبضعة ثوانٍ تمكن خلالها المخرج السعودي الشاب محمد بازيد في تجربته الأولى، من مس خيط شفيف من خيوط السينما الساحرة، وفي سياق لعبة اختزال وبساطة متناهية، حقق الفكرة المتكاملة لعرض غير متوقع. الفيلم سبق أن شارك في مسابقة الإمارات السينمائية، وفي مهرجان روتردام السينمائي في هولندا، ونال عنه المخرج خطاب تنويه وشكر، وحقق إشادة حماسية من الجماهير والنقاد. قصة الفيلم البسيطة التي تم تداولها في رسائل المجموعات البريدية الانترنت، كيفتها كاتبة السيناريو الشابة ضياء يوسف، لتصنع منها لغة سينمائية حقيقية، فألبست البطل شخصية الممثل شارلي شابلن، ثم ألغت البعد الواقعي للقصة وأبدلته بإحساس الفنتازيا الممكنة، الذي ينتاب المشاهد لحظة ظهور شابلن، الذي أيضاً ينبني بالتبعية له حال من الإيهام بالطرافة التي تسيطر على المتفرج منذ الثواني الأولى. ذلك من دون أن تفقد ثيمة المعالجة الإنسانية قيمتها أو فكرتها الأساسية. بل على الأرجح أن استحضار شارلي شابلن ضمن اللعبة يعتبر أمراً يقصده كل من المخرج والسيناريست على محمل الجانب المعولم الذي كانت تدور في محيطه أفلام شابلن عادة. وكما تعود جمهور أفلام شابلن أن يشاهدوها صامتة وموحية ومرحة، نقل با زيد كادره في صورة من الأبيض والأسود، آزرها السيناريو غير المتحذلق للعودة إلى أجواء الأفلام القديمة بطريقة لا تخلو من غواية الفرجة. تتوالى المشاهد البطيئة في زمنها و متسارعة في حركتها، في إشارة إلى كسر حاجز التقمص الكامل لشخصية شابلن، فالممثل هنا يمثل دور شابلن وليس هو شابلن نفسه. الصورة تشي بذلك عبر فلاش باك يعيد المشاهد إلى عوالم الكوميديا، التي تتأرجح فيها"الميلودراما"بين الضحك والتأمل. يحكي الفيلم إذاً عن شارلي شابلن عندما يتنازع مع شخص آخر على قطعة بسكويت أخيرة في الكيس، الذي اشتراه شابلن، ووضعه على المقعد الأسمنتي بينه وبين ذلك الشخص في إحدى الحدائق العامة، معتقداً أنه يأكل من بسكويته، بينما يكتشف بعد ذهابه أنه هو الذي كان يأكل من كيسه، وأن الغريب عامله بفيض من كرمه. يبكي شابلن بكيته المعهودة عند كل إحساس ينتابه بالندم أو الحزن، ويترك للمشاهد دهشة المفارقة وابتسامة الوداعة. لحظات وينتهي الفيلم القصير الذي يسرق المشاهد إلى زمن الإبهار بالمقومات العتيقة. الممثل الواعد مراد أبو السعود جسد شخصية شابلن، وأتقن على سجيته أداءها، إذ يعد فيلم"القطعة الأخيرة"تجربته الثانية، بعدما شارك في فيلم"اليوم المشؤوم"بجزئيه، اللذين أخرجهما بشير المحيشي كتجارب أولية له. أسهمت موسيقى الفيلم المقتبسة من فيلم أضواء المدينة - City Lights، الذي أنتجه شارلي شابلن في العام 1931 في الإعادة إلى الأذهان قصة المتشرد - شارلو الذي صادق الملياردير لحظات الغياب عن الوعي . تلك الموسيقى الأنيقة والخيالية والساحرة كما وصفها شابلن في مذكراته...، مونتاج الفيلم الذي حققه حسام البنا كان بمثابة ركيزة فنية أساسية في توليفة الفيلم ذو الكادر الكامل، وفي إظهار الطقس المكفهر والسماء الملبدة. ثم أخيراً كان لابد للمخرج با زيد وللسيناريست الموهوبة ضياء يوسف أن يهديا دقائقهما الخمس إلى نجم السينما العالمية العظيم والى حلم السينما السعودية.