ليس جديداً في سينما اليوم، أن يكون عدد السينمائيات النساء كبيراً، أكان ذلك في مهرجان «كان» أو في غيره. فالمرأة وراء الكاميرا أضحت من كثرة الحضور وبداهته بحيث بالكاد يلفت الأمر أحداً خلال السنوات الأخيرة. ومع هذا لا بد من التنويه هذا العام في شكل خاص بالعدد الكبير لأفلام النساء في دورة «كان» الحالية، بما في ذلك أفلام المسابقة الرسمية وغيرها، حيث من جودي فوستر إلى نيكول غارسيا وكريستيل آلفيس ميرا، وصولاً إلى الفلسطينية مها الحاج واللبنانية منيا عقل بين ما لا يقل عن دزينة من المخرجات الأخريات، تسجل المرأة بقوة وجدارة حضورها على الشاشات المهرجانية. أما في الأروقة فحسبنا أن نرصد الحضور العربي والفلسطيني في شكل خاص حتى نتساءل من أين تأتي هذه الإندفاعة النسائية العربية. لكننا نهدأ وأسئلتنا حين نتذكر أن امرأة مصرية كانت وراء، وأمام الفيلم الأول المصري وأن طلعت حرب قال لها يومها: «سيدتي لقد حققت ما عجز عنه الرجال». كان اسمها عزيزة أمير وكانت فاتحة لسلسلة من مخرجات مصريات وعربيات تزداد حلقاتها قوة مع الأيام. وهي سلسلة وجهت إليها المخرجة المنتجة ماريان خوري قبل سنوات تحية سينمائية متميزة في فيلمها «عاشقات السينما». ولكن لماذا ترانا نتذكر هذا اليوم؟ ببساطة لأن مهرجان «كان» الذي ازداد حضور الأعمال الوثائقية فيه في شكل لافت خلال السنوات الأخيرة، من ناحية، ولا تمر دورة من ناحية أخرى إلا ويحتفل فيها بتاريخ الفن السينمائي نفسه، يقدم هذا العام ضمن إطار «كلاسيكيات كان» عملاً توثيقياً للأختين جوليا وكلارا كوبربرغ بعنوان «... وخلقت المرأة هوليوود»، ولئن كان هذا العنوان يحيل إلى فيلم مَعلم من أفلام بريجيت باردو هو «... وخلق الله المرأة» لروجيه فاديم، فإن ليس ثمة، عدا العنوان، علاقة بين الفيلمين. فالفيلم الذي نحن في صدده هنا هو عبارة عن تحية للمرأة الهوليوودية تكشف كم كان للمرأة من يد طولى في ازدهار بل وجود السينما الهوليوودية منذ بداياتها. ونقول «تكشف» لأن في الأمر اكتشافات حقيقية يؤكدها الفيلم على مدى ساعة مدعّمة بالوثائق والشروحات التي يبدو أنها كانت نائمة في الأرشيفات وأتت السينمائيتان الشقيقتان لتكشفانها للمرة الأولى، أمام دهشة المتفرجين الذين كانت شكواهم دائمة من كون المرأة لم تلعب دوراً ذا أهمية في تاريخ هوليوود الذي قيل دائماً أن عالم ما وراء الكاميرا كان ذكورياً فيه بامتياز وأن امرأته كانت مجرد دمى وأشكال جميلة وأزياء مغرية وابتسامات ساحرة. أبداً... يقول لنا الفيلم مؤكداً أن هذا كله قد يكون صحيحاً لكن الأصح منه أن نساء ذكيات وموهوبات لعبن منذ فجر السينما وفجر القرن العشرين أدواراً أساسية في نشأة الفن السابع حتى وإن كانت الهيمنة الذكورية طمست هذا كله. فمثلاً قبل أن تشارك ماري بيكفورد تشارلي شابلن ودوغلاس فيربانكس في تأسيس «يونايتد آرتيست» شاركت مابيل نورماند شابلن نفسه في كتابة سيناريو العديد من المشاهد الهزلية في بعض أفلامه القوية، وقبلها كانت الفرنسية الأصل آلس غي بلاشي، أول من أخرج فيلماً ناطقاً، ولويز فيبر أول من أنتج فيلماً بالألوان، وكانت فرانسيس ماريون كاتبة السيناريو الخاصة بأفلام ماري بيكفورد نفسها، هي التي كتبت السيناريو لنحو 300 فيلم ونالت جائزتي أوسكار... لكن هذا كان فقط في البدايات كما يقول الفيلم محتجاً مؤكداً أن السينما الهوليوودية عادت وانتكست في هذا المجال بحيث لم تعرف بين الثلاثينات والثمانينات سوى مخرجتين هما دوروثي آرزنر وإيدا لوبينو. بعد ذلك كان لا بد للمرأة الهوليوودية من أن تنتفض بدءاً من الثمانينات حتى وإن كان عليها أن تنتظر السنوات الأخيرة لتشاهد مخرجة امرأة تفوز بأول أوسكار للإخراج، كاترين بيغلو عن فيلمها «الشرق أوسطي» «خزانة الأسى»، على رغم ترشيحات متكررة لمبدعات من طينة صوفيا كوبولا وجين كامبيون وحتى جودي فوستر... الآن يبدو كل هذا الظلم بعيداً كما يقول الفيلم، وتبدو المرأة السينمائية الهوليوودية كما يؤكد، وحتى الإيرانية والعربية كما نضيف من عندنا، حقيقة لا جدال فيها، يأتي عرض «... وخلقت المرأة هوليوود» في «كان» ليذكرنا بها.