لا بد من أن كلمة"مزاج"كلمة جديدة على ثقافتنا العربية، فنادراً ما تجدها واردة في بيت شعر أو كتاب قيّم، لكنها اليوم على كل لسان، وقد تفرنجت أيضاً لتصبح"موود"و"على موودك". بما أنني من ناسي فقد تعبت من مزاجي وتقلباته ومودي وموداته معهم، وبدأت التفكير جدياً في تعديل هذا المزاج"لأوزنه"، وأصبح إنسانة سوية عاقلة متوازنة، فاكتشفت أن كل شيء في رأسي، في تفكيري، في نظري، إذا أسعدت نفسي شعرت بالسعادة، وإن أتعستها شعرت بالتعاسة. ليس ثمة سعادة أو شقاء بالمطلق، وإنما تفكيرنا هو الذي يشعرنا بأحدهما، فشاعر قال:"أرى أطفالاً جياعاً ورجالاً يائسين وحروباً عقيمة، لن يكسبها أحد، وأقول في نفسي: يا له من عالم بغيض"، وشاعر آخر قال:"أسمع صوت الأطفال الباكين، أراقبهم وهم يكبرون. سيتعلمون أموراً أكثر مما أعرفه، وأقول في نفسي: يا له من عالم رائع". إذاً، المعاناة نفسها والبشر أنفسهم، لكن من وجهتي نظر مختلفتين، الأولى جحودة متشائمة، والأخرى متفائلة وتثير الشكر والامتنان، فما يراه أحدهم قيداً وغماً يراه الآخر فضاءً وانطلاقاً. إنها نظرتك وفلسفتك أنت للحياة. في"حدوتة"كنت قرأتها أنه كان عجوز يجلس خارج أسوار مدينة كبيرة، وكان المسافرون عندما يقتربون من المدينة يسألون العجوز: ما طبيعة سكان هذه المدينة؟ فيسألهم العجوز: ما طبيعة المكان الذي جئتم منه؟ فإذا أجاب المسافرون:"لا يعيش في المكان الذي جئنا منه سوى الأشرار"، كان العجوز يجيب:"تابعوا السير، لن تجدوا سوى أشخاص أشرار في المدينة"، أما إذا كان جواب المسافرين:"لا يعيش في المكان الذي جئنا منه سوى أشخاص طيبين أخيار"، كان جواب العجوز:"ادخلوا المدينة لن تجدوا سوى أشخاص أخيار". هكذا نحن مع من نتعامل. بعض الناس يستخرج الخير الذي فيك وآخر يستخرج الشر الذي لم تكن حتى تعرفه. وأتذكر هنا كلمة لكونفوشيوس حينما سئل ذات مرة:"هل من الأفضل أن يكون الإنسان محبوباً من جميع أهل المدينة؟"فردد قائلاً:"لا، الأفضل أن يحبه الخيرون في المدينة ويكرهه الأشرار فيها". فانتق دوماً طيبي القلوب السعداء، وابتعد عن اللئيم والتعيس. إنها أهمية التفكير، من نعاشر؟ وانتقاء الكلمات التي نسمعها ونتفوه بها فتشكلنا. ولذا انتق كلمات سعيدة وازرع البسمة في وجهك تحصدها في قلبك وروحك، فلا العظمة ولا الذهب ولا حتى معاشرة أصحابهما تجعلك سعيداً، بل الانسجام والقناعة والعطاء. إن أهم أسباب السعادة أن تكون على وفاق مع ذاتك، فقد نشأنا كلنا وفي اعتقادنا أن السعادة في الأخذ، ثم نكتشف أنها في العطاء، في الشعور المريح الذي يلي إدخال البهجة إلى قلوب الآخرين. ولكي تحتفظ بالسعادة عليك أن تتقاسمها مع الآخرين، وترغب في ما لديك. أنت سعيد لأنك لست مريضاً؟ ولست جائعاً؟ ولست حاقداً؟ ولست...، ولست...، وعدد من عندك. وأخيراً تسأل نفسك سؤالاً غير تقليدي مثل: لماذا أنا سعيد؟ وأطرح عليك السؤال للمرة الثانية: لماذا أنت سعيد؟ أجب. خلف الزاوية [email protected]