غريب أمر الغرب، ففي الوقت الذي يغرب عن وجهه الانصاف والعدل في العلاقة مع الآخرين، خصوصاً العالم الثالث، يستغرب من عدم وجود توافق مع رؤيته الجديدة القديمة التي دعا اليها في وقت سابق، إذ يحيد عن قناعته ببساطة وبشكل يجسد الاستخفاف بالعقول، بتمييع هذه القناعة، ونعني بها الدعوة إلى الديموقراطية، لسبب قد يبدو واضحاً وضوح الشمس في رابعة النهار. فحينما اشتد ساعده في تمرير هذه القناعات، بل وفرضها، جاءت النتيجة على عكس ما يتمنى ومغايرة لما كان معولاً عليه، فما طفق ان بدل إزار الديموقراطية التي يتشدق بها ليل نهار، ليدق آخر مسمار في صدقيته بازار فضفاض يتسع لاحتمالات تنبري لها عوامل التشكيك تارة والتخوين تارة أخرى، لا لشيء سوى ان المسرحية كانت على الهواء مباشرة، فكانت النتيجة هي الخروج عن النص بتلقائية تشي بصحة المؤشر ودقته، أي ان الرهان على السيناريو المعد سلفاً لم يوافق رغبة الجماهير، بقدر ما احتواها النص التلقائي الخالي من التزييف والتضليل، وبالتالي فان العقل أمسى رهناً للشكوك والتخرصات ومكبلاً بسوء الظن الذي ما برح ينخر في صدق النوايا والتوجهات. فإذا كان الشعب الفلسطيني الأبي قد اختار من يدير شؤونه وشجونه بنزاهة وموضوعية وتحت إشراف دولي، فهل يستقيم الأمر لعقابه وفقاً لهذا الاختيار على هذا المنوال؟ وهل يجيز العقل والمنطق التعسف على هذا النحو؟ ألا يدعو الأمر للغرابة؟ هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فان هذا التباين في المعطيات وفقاً للمعايير المزدوجة بهذا الخصوص سيسهم في افراز الآثار السلبية طبقاً لهذه المعادلة المفتقرة للاتزان، فالمراهنات عادة ما تكون في حلبات السباق ومضمار الخيول، لا ان تصل إلى العقول. فإرادات الشعوب لا تخضع للمراهنات والمزايدات بقدر ما يوفر لها الاحترام كقيمة طبيعية تستحقها. واحترام هذه الإرادة يجب ان يصاحبه حسن النية، وحسن النية يفرض المنطق المتعقل المتزن إزاء فرض الرؤى بصيغة عادلة وفاعلة، فيما تكتنف هذه الصيغة، وفق استقراء الواقع، جراحات ترنو إلى تغيير المضمون مع بقاء الشكل كإيحاء رمزي ليس إلا، أي أن هذه الصيغة كانت من الوضوح بمكان قبل نجاح حركة حماس، ومشرط الجراح لم يكن وارداً في ذلك الحين بيد أن التدخل الجراحي غير المبرر باتت تدعمه تفسيرات وتنبؤات لا تتكئ على استناد منطقي، فضلاً عن انتفاء حسن الظن الملهم لكل توجه نبيل خلاق. غير أن أسوأ ما في هذا الأمر هو أسلوب الضغط الاقتصادي المفتقر للحس الإنساني النبيل، يضاف إليه انتفاء التبرير المنطقي والعقلاني. ولتفادي الحرج بعيداً من المساس بشعب بأكمله على هذا النحو المجافي للعدل ولتفعيل المعايير الأخلاقية، أرى أن احتواء هذه الأزمة يتكئ على محاور عدة، أبرزها وأهمها الهدوء لما له من اثر بالغ في صناعة الحلول من خلال الحوار والتفاوض البناء، كمعبر يجسد حسن النية من جهة، وإبداء اكبر قدر من المرونة في المواقف والتعامل باحترام، فاحترام وجهات النظر من صميم العدالة، واحترام الإرادة يصب في هذا السياق. ومن المعلوم أن معالجة الاختلافات والتباينات في وجهات النظر تبدأ بالنقاش قبل العقاب، فإذا سبق العقاب النقاش فإنه بلا ريب سيئد فرضية التواصل على نحو منفر، وسيسهم في تضييق حيز بلوغ أرضية مشتركة، وهناك حتماً ما يسهم في التفهم لبلوغ نقاط الالتقاء بمعزل عن التخلي عن الثوابت وبعيداً من التعسف ولي الأذرع، ما يخلف آثاراً سلبية بشكل متنام، ويؤصل العداء. وسيسجل التاريخ بصماته الموثقة في حياة الإنسانية، ومن أهم الآثار التي من الواجب إزالتها المبادرة برفع الحصار كمؤشر لبق خلاق لحسن النية في هذا الصدد، والبعد من كل ما من شأنه زيادة الاحتقان، واستقراء الأفعال وردودها قبل رصد وإيجاد ما يبررها. حمد المانع - الرياض