الحدود السياسية مرآة لطبيعة العلاقات الدولية، استشعرت هذه الحقيقة اثناء دراستي للحدود الدولية، ويكفي المراقب او الباحث دلالة واحدة او مظهر من مظاهر السلوك البشري في منطقة الحدود، ليتعرف على طبيعة العلاقات بين دولتين. إن اوضاع الحدود السياسية العربية واشكالها الطبيعية او الاصطناعية يسهم بشكل كبير في التأثير في طبيعة التعاون العربي من الناحية الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية، وتمارس الحدود السياسية وظيفتها في صناعة الجوار العربي. وتتنوع خلافات الحدود بين الدول من حيث الترسيم على الارض او التحديد على الخرائط او عدم الاعتراف بالحدود بين دولتين، كما هو حاصل بين سورية ولبنان، وقد ورد في جريدة الحياة العدد 15603 ان لبنان يطلب من سورية ترسيماً للحدود شاملاً وسريعاً، والحدود الواقعية DE- Facto تعكس تأرجح العلاقة بين الدولتين، وتبين طبيعة التنافر والتنازع بينهما. ان مشروع سورية الكبرى الذي كان يطمح الى انجازه زعماء ومناضلو الحركة القومية العربية والذي لا يزال حلماً في ايديولوجية حزب البعث السوري متجسداً في الوجود السوري في لبنان يجب ان يزول، ويتم ترسيم الحدود بين البلدين، وتتعامل سورية مع لبنان كدولة كاملة السيادة والاستقلال، ويتم تبادل التمثيل الديبلوماسي بين الدولتين ضمن المفاهيم والقواعد الدولية. ان خروج احد ابرز حكومة الظل نائب الرئيس السوري عبدالحليم خدام من ايديولوجية مشروع سورية الكبرى ومحاولته تبرئة نفسه بعد اربعة عقود، تخللها الكثير من الاحداث المؤلمة كان الرجل صانعاً لمعظم قراراتها السياسية، امر يدعو الحركة السورية الى خلق لحظة حسم تاريخية، واختيار اعادة بناء دولة حديثة بدلاً من احلام سورية الكبرى، ومن المتوقع ان يكون هناك منشقون آخرون، لأن عبدالحليم خدام كان يمثل رأس الهرم في حكومة الظل، ومن المؤكد أن له مؤيدين وانصاراً، ويبدو انه ليس امامهم سوى خيارين، اما ان يعملوا لمصلحة انشقاق عبدالحليم خدام وتصعيد الخلافات الداخلية في الحكومة السورية او اللحاق بصاحب الثقل الكبير في حكومة الظل عبدالحليم خدام. وذكرت في مقال سابق ان الجيوبولتيكا الدولية، خصوصاً الاميركية ليست في مصلحة سورية، لذلك يجب التخلي عن الخطاب الفلسفي السياسي السوري ومحاولة الاستفادة من الفرص النادرة لصنع السلام في منطقتنا العربية الحافلة بالصراعات البينية والدولية. إن اعادة بناء دولة حديثة يحتاج الى قرار شجاع من الرئيس الاسد، وهو لقب اكتسبته الاسرة من جد والده رحمه الله سليمان الذي عرف بجرأته وقوته البدنية، فاطلق عليه اقرانه لقب"الأسد"، فهل يقدم الرئيس بشار الاسد على قرار شجاع ويخرج الوطن والشعب السوري من ازماته المتتالية؟ وكما هو ملاحظ ان السعودية تدعم مواقف سورية المعتدلة، ولن تألو جهداً في تجنيب سورية حكومة وشعباً ووطناً أي مكروه ولكن بالطبع لن نكون سوريين اكثر من السوريين انفسهم. باحث سعودي في الجيوبولتيك [email protected]