سبق أن أشرت في مقال سابق إلى أن السعودية لن تألو جهداً في الوقوف مع سورية، وهذا فعلاً ما حصل. السعودية وللمرة الألف تستخدم أوراقها في اللعبة الدولية لمصلحة الأشقاء العرب، هناك دول تفضل أن يكون حل علاقاتها الدولية ذا طابع سري، سواء علاقاتها مع الدول العظمى أو الدول المتوسطة أو الدول الصغرى. والمخفي في العلاقات الدولية ضعف ما يُصرح به. ولا شك أن صدقية تلك الدول في المجتمع الدولي تحتاج دائماً إلى ضمانات من دول أخرى. عندما وُجه سؤال إلى نائب وزير الخارجية السوري وليد المعلم عن الدور السعودي في الانفراج السوري بالموافقة على قبول مقر الأممالمتحدة في فيينا مقراً لاستجواب المسؤولين السوريين أجاب ضمن مفهوم سياسة السرية:"هذه إحدى النقاط التي اتفق عليها في برشلونة"، ثم طرح عليه السؤال من صحافي آخر ورد بالإجابة نفسها. وضمن سياسة المصارحة التي ينتهجها الملك عبدالله بن عبدالعزيز أجاب عن السؤال الذي طرح على نائب وزير الخارجية السوري بالنيابة عنه ولكن الإجابة كانت هذه المرة من الرياض وليست من دمشق. إن جهود المملكة في التوسط بين الأشقاء العرب فيما بينهم، وكذلك بينهم وبين الدول العظمى، هي نهج سعودي معروف ضمن مفهوم الديبلوماسية الهادئة. وتجاهل جهود السعودية في هذا الجانب لا يخلو من سوء النية والمقصد، ويعتبر انتقاصا من جهودها في التضامن العربي، وفي الحقيقة أني لا أخفي سعادتي بصراحة الملك عبدالله وتبنيه منهج سياسة المصارحة الذي يحقق به نجاحات متتالية على الصعيدين الداخلي والخارجي. قال الملك عبدالله في تعليق على الديبلوماسية السعودية الهادئة:"نحن لا نحب العنتريات فزمن العنتريات انتهى، ما يهمنا هو التوصل إلى اتفاق يحفظ كرامة سورية ولبنان ويلبي طلبات الأممالمتحدة، أنا لا أقبل أن يهان الشعب السوري من خلال إجراء التحقيق في مكتب الأممالمتحدة في لبنان، كما أن اللبنانيين لا يريدون إهانة الشعب السوري أو إهانة قيادته". ومن خلال متابعتي - كباحث للتغيرات الجيوبولتيك في منطقتنا الملتهبة من باطن الأرض بواسطة النفط ومن فوق الأرض عبر الخلافات العربية - أعتقد أنه من المناسب أن يكون هناك تغير في مستوى الخطاب السياسي السوري الموجه نحو الداخل والخارج"لأن زمن الخطابات التي تهيج المشاعر في الداخل وتتحدى في الخارج قد انتهى، وسياسة الواقع هي النموذج المناسب في هذا القرن الأميركي حتى تسلم الشعوب العربية وتحافظ الدول على سيادتها واستقلالها وتخرج من هذا القرن بأقل الخسائر الممكنة. باحث سعودي في الجيوبولتيك [email protected]