حلف الأطلسي الناتو يحمل من اسمه بعداً جغرافياً، ولكن حقيقته لا تدل على ذلك. إذ يتجاهل دولاً أطلسية، ويضم دولاً بعيدة جغرافياً كالولاياتالمتحدة الأميركية، التي تسيطر على قراراته العسكرية والسياسية. وتتضمن المادة الخامسة من نظام الحلف النص الآتي:"إن أي عدوان يقع على دولة من دول الحلف، يعد عدواناً على كل الدول المتحالفة. وعلى جميع الدول الأعضاء مقاومة هذا العدوان، بما في ذلك استخدام القوة". ومن الملاحظ أن الولاياتالمتحدة الأميركية تهيمن على هذا الحلف وتوجهه لخدمة مصالحها بالدرجة الأولى. ويبين التاريخ لنا ذلك عندما استنفرت أميركا قواتها العسكرية، بما فيها قوات الحلف خلال معارك أكتوبر في 1973، بين مصر وإسرائيل، وذلك لحماية إسرائيل، عندما شعرت بأنها معرضة للهزيمة من الجيش المصري بعد العبور التاريخي لقناة السويس. ويظهر بوضوح في الوقت الحاضر، تبني الحلف لسياسة الولاياتالمتحدة الأميركية في منطقة الخليج، التي أصبحت مسرحاً وميداناً لتنفيذ الاستراتيجية الأميركية منذ أحداث 11 سبتمبر، بدءاً بالعراق، واستعداداً لسورية، وتلاعباً في لبنان، وتحرشاً بإيران، وتدخلاً في الشؤون الداخلية لدول الخليج باستخدام ورقة الإصلاحات والديموقراطية وحقوق الإنسان. أظهر الحلف اهتماماً حديثاً بمنطقة الشرق الأوسط، وأعلن في القمة التي عقدها في تركيا العام المنصرم، اتخاذ مبادرة جديدة بشأن منطقة الشرق الأوسط، والتركيز على ست دول في شبه الجزيرة العربية هي دول مجلس التعاون الخليجي. وعرض الحلف التعاون في مجالات عدة أهمها محاربة الإرهاب من خلال تبادل المعلومات الاستخباراتية، ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل، واقتراح قوات لحفظ السلام، وإنشاء أكاديمية للتدريب العسكري والتعاون العسكري، والتعاون في مجال أمن الحدود، وتعزيز التعاون في مجال التخطيط للطوارئ المدنية، وتعزيز الإدارة الديموقراطية للقوات المسلحة. ودعت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس، قبل عامين إلى فتح مكاتب في الدول العربية لمراقبة الإصلاحات المطلوبة من هذه الدول. إن هذا الاهتمام المفاجئ بدول مجلس التعاون الخليجي، جاء بعد إدراك الحلف أهمية منطقة الخليج وتأثيرها القوي في استقرار وأمن العالم. وبحسب مفاهيم نظرية"ماكندر"قلب الأرض التي طبقت على خريطة العالم، إذ أن من يسيطر على"قلب الأرض"يسيطر على العالم، فإن المملكة العربية السعودية تمثل"قلب الأرض"للشرق الأوسط من الناحية الجيوبولتيكية الجغرافيا السياسية. وتتمتع السعودية بمقومات جيواستراتيجية تجعلها هدفاً رئيساً لتوجه حلف الأطلسي الجديد. ونظم مركز الخليج للأبحاث أخيراً مؤتمراً لتعزيز التعاون مع حلف"الناتو"تحت عنوان"تعزيز التعاون ودعم العلاقات: علاقات دول مجلس التعاون الخليجي وحلف الناتو ضمن مبادرة اسطنبول للتعاون". شارك في هذا المؤتمر مختصين من الحلف ومن دول مجلس التعاون. وفي الحقيقة لا يخفي الحلف رغبته في التعاون مع السعودية، أكبر دولة في دول المجلس، لتحقيق الأهداف التي أعلن عنها في مبادرة أسطنبول. ولكن يبدو أن المكاسب السعودية من هذا التعاون غير مشجعة، قياساً بالمكاسب التي سيحصل عليها الحلف من السعودية. فعلى المستوى الإقليمي، يقلق السعودية موضوعين مهمين: الأول الوضع في العراق وتصاعد عمليات الإرهاب، والثاني برنامج إيران النووي. وعندما يذكر نشاط الحلف في موضوع العراق يتضح أنه لا يتعدى المشاركة بمئات من الجنود وتدريب ألف ضابط كل سنة داخل العراق، وخمسمئة من كبار الضباط خارج العراق. أما برنامج إيران النووي فيرغب الحلف في الوجود في دول الخليج، من أجل القيام بالدور الذي تحدده له الولاياتالمتحدة الأميركية في حال المواجهة العسكرية مع إيران.إن الشراكة التي يسعى الحلف إلى تحقيقها مع السعودية تحديداً، تفترض علاقة بين حليفين، يُرسم فيها دور محدد للسعودية، مع الأخذ في الاعتبار استراتيجية الحلف الثابتة، وهي محاولة إدماج إسرائيل ضمن دول المنطقة التي يحرص الغرب دائماً على جعلها طرفاً عادياً ومألوفاً في المنطقة العربية. وفي الحقيقة عجز الحلف على مدى عقدين من الزمن مع البلدان المتوسطية بسبب الخلاف الوجودي بين العرب وإسرائيل. إن التحالف ضروري لتوازن القوى، واختيار دول الخليج للتحالفات الدولية، والشراكة ليس مسألة مبدأ، وإنما هي مسألة ملاءمة وفق مصالح الدول حتى لا تكون الارتباطات الناجمة عن الأحلاف تفوق المكاسب المرتقبة. لقد تنبهت السعودية لمقاصد حلف الأطلسي وأشار إلى ذلك مدير دائرة الشؤون الأوروبية في وزارة الخارجية السعودية، المستشار في مؤتمر مركز الخليج للأبحاث الأمير محمد بن فيصل، عندما قال:"إن جهد"الناتو"مهم وضروري في الوقت الراهن، لكن الإصلاح وخطوات التغيير ستأتي من المواطن والشارع". وهي رسالة جيدة لكبح اندفاع الحلف تجاه دول الخليج العربية بوجه عام والسعودية بوجه خاص. باحث سعودي في"الجيوبولتيك" [email protected]