سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
السائح السعودي ينشر العود والبخور والحنة في لبنان . الطائرات تغير مسارها من عواصم الدول الأوروبية إلى بيروت بعد 11 سبتمبر ... وبلاد العم سام تجبر ابن الجزيرة على التخفي باقتناء كلب وتعلم البرتغالية
لم تعد تلك الوجوه باسمة كما كانت، وتبدلت أساريرها إلى تجاعيد تنبئ عن عبوس حقود... ترى هل للوجوه معنى يدور داخلها؟ أم أنها تجهمت من دون سبب. الظلم مهما طال سيتلاشى، والفكرة الخاطئة إن سرت أيام فستختفي في المقبل منها، وترحل تاركة خلفها ذكرى الخطأ..."أنا"أقولها بكل فخر واعتزاز، بعيداً من النرجسية والاستبداد... أنا الذي فُرشت لي الأرض حريراً، وسُرت لمجيئي الطيور، وتغنت بوفائي السحب، أجدني في عالم متغير، فبعد ما كان، صدح الجور وكنت أحسبه بلا لسان... هذا هو لسان حال السعودي عندما يحل ضيفاً"ثقيلاً"على بعض العواصم الأوروبية، وفي الولاياتالمتحدة الأميركية... فبجرم"الشاذ"أخذت البقية، ولا يوجد ظلم أشد من ذلك، خصوصاً أن الطالب أو السائح السعودي، هو أكثر الناس لطفاً، وأرقاهم تعاملاً بشهادة الغرب، لذا حُق لنا أن نقول إن ما يحدث ظلم... وفي مقابل هذا الوضع الذي يعانيه السعودي في الغرب، نجد أن دولاً عدة استفادت منه، ومنها دول عربية وإسلامية، حيث بدأ السائح أو الطالب السعودي في البحث عن بديل لدول الغرب، خصوصاً السائح الذي ليس لديه ما يجبره على المغامرة بزيارة دولة يتوقع أن يُضايق فيها، بينما بعض الطلاب يحاول أن يصارع الظروف كي يحقق أهدافه العلمية... وحول هذا الوضع أرادت"الحياة"تسليط الضوء على ما يعانيه السعودي في أميركا تحديداً باعتبارها المتضرر الأكبر من أحداث 11 "سبتمبر"، وعلى لبنان باعتبارها احتضنت السائحين السعوديين، وبعض الطلاب... في الولاياتالمتحدة تعدت فكرة"اقتناء كلب"أو"تعلم البرتغالية"هدفها الاستمتاعي أو اللغوي المعروف، وباتت وسيلة لدى مواطنين سعوديين في أميركا لاختراق الحواجز المفروضة بعد حادث 11 أيلول سبتمبر 2001، للتخفي أو التمازج ضمن مجتمع"بلاد العم سام"اليوم. إذ لم تقتصر أضرار طائرات البوينغ التي أرهبت الولاياتالمتحدة في ثلاثاء سبتمبر، على الطرف الأميركي وال2996 قتيلاً و 215 جريحاً فحسب، بل تحولت إلى"كابوس"يرافق الأقليات المسلمة والعربية يومياً في أميركا، وخصوصاً المواطنين السعوديين الذين طوقوا ضمن حواجز سياسية واجتماعية وأكاديمية، تواجههم في حياتهم اليومية. ومن مواقع الانترنت إلى المكتبات ودور السينما وحتى الشاشة الصغيرة، تصدرت الصور النمطية صورة السعودي في بلاد"العم سام"، وتحولت في أكثر الأحيان مرادفاً ل"إرهابي"أو"عدو"أو"مناف للعقلية الأميركية". ويسجل موقع"غوغل"الإلكتروني أكثر من مليوني مدخل لقوائم البحث حول"السعودية و11 أيلول"، فيما تملأ رفوف المكاتب صوراً تهزأ من مصافحة رؤساء وديبلوماسيين للسعوديين. وغذت هذه الصور واللقطات التي برزت في"وثائقي"المخرج مايكل مور"فهرنهايت 11/9"النعرات العنصرية ضد الأقلية السعودية في الولاياتالمتحدة، التي تشكل بحسب تقارير السفارة في واشنطن سبعة آلاف مواطن، أكثرهم في الميدان الأكاديمي خمسة آلاف طالب. وتحولت الصورة سلاحاً لليبراليين وخصومهم على حد سواء، أو من مجموعات يمينية متشددة قامت بحرق مساجد واعتداءات على المسلمين، بعد اعتداء نيويورك. ويشكل المسلمون اليوم نسبة 2 في المئة من الأميركيين, وهم في ازدياد مطرد، خصوصاً وسط السود, وتحديداً في"الأمة الاسلامية"التي تشكل 24 في المئة من مجموع المسلمين في الولاياتالمتحدة. وتتعرض هذه الأقلية اليوم الى حملة تشويه تطاول صورة الإسلام والمسلمين, ما أدى إلى ارتفاع غير مسبوق في جرائم الكراهية الموجهة ضد مسلمي أميركا بمعدل 121 في المئة في العام 2003، مقارنة بالعام السابق. وأشار رئيس مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية"كير"نهاد عوض إلى أن قانون"باتريوت اكت"المستحدث بعد الاعتداءات،"يكرس التمييز ضد الأقلية المسلمة ويجيز التوقيف التعسفي وسلب تأشيرات الهجرة وحتى الطرد". من بندر إلى"بن" "أنا متهم حتى اثبات براءتي"يقولها بندر 27 عاماً بألم، وهو أحد الطلاب السعوديين في قسم علوم الكومبيوتر في الجامعة الأميركية في واشنطن، وسبق أن دخل الولاياتالمتحدة صيف 2001 قبل الاعتداءات. ويضيف أنه عمد إلى تغيير اسمه إلى"بن"بعد الاعتداءات، وأجبر على الامتناع عن تطويل لحيته، وهو اليوم يحاول تعلم البرتغالية، لإقناع البعض بأنه"برازيلي". فيما أشار طالب جامعة جورج تاون طارق إلى أنه اضطر الى"اقتناء كلب غربي المنظر، لتلطيف صورته في شوارع العاصمة وفي حيه السكني". وفي استطلاع أجراه معهد التعليم الدولي في بداية العام الأكاديمي 2003-2004 أظهر أن نصف المؤسسات التعليمية الأميركية 46 في المئة"أفادت بحدوث انخفاض في عدد الطلاب الدوليين المسجلين الجدد. وعزت المعاهد الانخفاض في النسبة في شكل رئيس إلى إجراءات منح التأشيرات الدراسية بين 10 و30 في المئة، لكنها بلغت في حال الطلاب السعوديين الجدد 29.2 في المئة. وفيما تدنى العدد الاجمالي من الطلاب العرب المنتسبين من 24107 طلاب الى 20593 طالباً، تراجع عدد الطلاب السعوديين من 5579 طالباً الى 4175 طالباً, ما يعادل 26 في المئة من نسبة الانخفاض الكلية. ضارة نافعة "رب ضارة نافعة"مثل شعبي يدل إلى أن لبنان لم يعرف ضارة أكثر من حوادث 11 أيلول نفعاً له. فالطائرات التي كانت تمر في فضائه مرور الكرام، ناقلة سياحاً وطلاباً ورجال أعمال عرباً وخليجيين إلى العواصم الأوروبية، اتخذت اليوم من مطاره محطة شبه دائمة لها. فما عادت حركة الإقلاع والهبوط للرحلات المكوكية بين بيروتوالعواصم العربية تعرف الهدوء، حتى خصصت شركة طيران الشرق الأوسط وحدها رحلتين يومياً إلى جدةوالرياض. وبين ليلة وضحاها، تحوّلت السياحة الخليجية عموماً، والسعودية خصوصاً، من باريس ولندن وبعض الولايات الأميركية إلى بيروت. ويفيد قسم الإحصاء في وزارة السياحة اللبنانية أن عدد السياح العرب في شهر كانون الأول ديسمبر للعام 2004 بلغ 923.82 ألف، يحتل السعوديون فيه المرتبة الأولى إذ بلغ عددهم 64.6 ألف، أي أنهم يشكلون نسبة 21 في المئة من مجمل السيّاح العرب. ويتركز السياح السعوديون عندما يمكثون في لبنان، في منطقتي فردان وعين المريسة شتاء، وبرمانا وبحمدون وعاليه صيفاً. ويبقى للوسط التجاري حيث المقاهي والمطاعم الفاخرة، ومراكز التسوق الضخمة في الأشرفية وفردان حصّة الأسد. فالحركة النشطة في هذه الأماكن لا تعترف بالفصول. وتجمع غالبية السعوديين المتنقلين بين المملكة ولبنان على أن تسهيلات قدومهم تبدأ من نقطة الأمن العام اللبناني في مطار بيروت. فرجال الأمن يرحبون بهم ويتغاضون عن بعض الوزن الزائد، أو تصاريح معينة لبعض أنواع الحيوانات، لا سيّما الصقور التي لا يتخلى بعض أصحابها عنها خلال تجوالهم. ورجال الأمن هؤلاء يعرفون حق المعرفة أن السياح السعوديين هم الأكثر سخاء، وأن بلدهم في حاجة فعلية إليهم، وبالتالي لا يجدون سبباً لإغضابهم. معاملة خاصة والواقع أن لبنان لم يتعامل مع حاملي الجوازات السعودية على أنهم حاملو بصمات 11 أيلول كما هي الحال في أوروبا وأميركا. وإن كان 11 من منفذي التفجيرات الشهيرة سعوديين، إلا أن ذلك لم يزد اللبنانيين إلا تعاطفاً مع البقية الباقية، فلم يصبغوها بلون الأقلية. واللبنانيون الذين يرتبطون بالمملكة بعلاقات وطيدة، سواء المسلمين الذين يذهبون إلى مكةالمكرمة لأداء فريضتي الحج والعمرة، أو من يقيمون في مدنها بأعداد كبيرة، وغالبيتهم من المسيحيين، عرفوا بخبرتهم الطويلة في الحروب الأهلية أن الأكثرية وقعت ضحية الأقلية. كما أن الأحداث الأخيرة التي وقعت في العاصمة الرياض وذهب ضحيتها لبنانيون، جعلت أبناء البلدين في خندق واحد. ولا يصعب اليوم لأي مراقب أن يلحظ حركة توافد السعوديين إلى لبنان. ففي بداية العام الدراسي يكثر عدد الطلاب الذين آثروا متابعة دراساتهم في جامعات لبنان الخاصة وخصوصاً الجامعة الأميركية والجامعة الأميركية - اللبنانية، بعد أن أصبح الحصول على تأشيرات إلى الولاياتالمتحدة أمراً معقداً. فالجامعات اللبنانية التي تتبع النظام الأميركي تؤمن لطلابها نوعية علمية راقية وشهادات معترفاً بها عالمياً، إضافة إلى قرب الطالب من ذويه، وبقائه في بلد عربي ليس غريباً عن لغته ومفاهيمه. ويشهد قدوم السياح السعوديين إلى لبنان ذروته أيضاً خلال العطل الفصلية وفترات الأعياد، وربما قبلها بقليل للاستفادة من فرص التسوق. لدرجة أصبحت بعض المحلات التجارية في بيروت تعتمد بشكل رئيس على هذه"المواسم"، حتى صار أصحابها يعرفون أذواق زبائنهم السعوديين سلفاً ويؤمنون طلباتهم في شكل خاص، من دون الاعتماد كثيراً على"الطلب اللبناني"الذي ينتظر التنزيلات. لذلك افتتح في الوسط التجاري أخيراً محل عطور شرقية يبيع العود والبخور والحنة، وهو فرع لأحد المحال الشهيرة في السعودية، ولا يؤمه اللبنانيون إلا من باب الفضول. كما أصبح هناك مطعم خاص بالأكلات السعودية يقدم"الكبسة"لرواده وغالبيتهم من الطلاب الذين يشتاقون إلى أطباق بلدهم. وأدخلت السيدات السعوديات"موضة"الوشم بالحنة فراحت اللبنانيات يتفنن في رسمها على أيديهن وأرجلهن. وفي المقابل وجدت الزائرات لائحة طويلة بأطباء التجميل المتخصصين، فاستسلمن لبعض"الرتوشات"فيما رفع هؤلاء تسعيراتهم في شكل صارخ. والواقع أن رفع الأسعار ذلك أو بالأحرى"مزاجية التسعير"بدأت تضايق السعوديين واللبنانيين على حد سواء. لأنه يشعر الأولين بأنه يتم استغلالهم، والآخرين بأن قدرتهم الشرائية تتدهور أكثر فأكثر. وإذا كان سعر خط الهاتف المدفوع سلفاً يبلغ 75 دولاراً أميركياً في الحالات العادية، تراه يناهز ال150 وأكثر خلال الصيف. كما يضاعف إيجار السيارات، والبيوت، وحتى طاولات المقاهي. فأصبح من الشائع اليوم أن يقال لك إن هذه الطاولة محجوزة ولا يمكن فك"رهنها"إلا بخمسين دولاراً! فيدفع السائح"الخلو"ليصله صحن فواكه عملاق مزين بطريقة خرافية لا تشجعه على مد يده خوفاً من أن يهوي أمامه. وإذا حدث وان اعترض على تقديم شيء لم يطلبه من لائحة الطعام، يأتيه الرد الفوري بأن هذا تقليد المحل. ولكن تقليد الضيافة ذاك ينسى كل اعتبار عندما تأتي الفاتورة ليقرأ الزائر عليها 100 دولار لقاء صحن الفاكهة. كما راح أصحاب محلات الهواتف النقالة يتفننون في بيع الأجهزة الحديثة فلا يكشفون عنها إلا قبيل وصول السياح ليقولوا لكل شاب أو شابة إنهم"أول من سيقتني هذا الموبايل". ويبدأ التنافس المحموم الذي يؤدي بدوره إلى إشعال الأسعار. وإذا لم ينتبه الوافدون السعوديون في البداية لهذه الأمور، فإنهم بدأوا أخيراً يمتعضون من معاملتهم"باستغلالية"، وتسمعهم يرددون"ليس لكل واحد منا بئر نفط في حديقة منزله. نحن أيضاً نتعب في جني أموالنا". وفي المقابل، يغتاظ اللبنانيون العاديون من هذا الوضع. فهم من جهة سعداء بازدهار السياحة في بلدهم، ومن جهة أخرى غير قادرين على تحمل أعبائها، فالأسعار عندما ترتفع، تطاولهم أيضاً، وفي المحال التجارية يتم تجاهلهم في شكل كلي من قبل الباعة المنهمكين في تلبية طلبات السياح. وحجتهم أن هؤلاء"سعوديون ودفّيعة". أما اللبناني الذي ينزل عن الرفوف كل ما عليها ليشتري قطعة، فلا طائل من التعب معه. ولا تخفي بعض العاملات في مراكز التسوق امتعاضها من أن الزبونة لم تشتر كمية كافية، فتسألها قبل أن تدلّها إلى الصندوق"هذا فقط؟". أما الشباب الذين يرون السيارات الفخمة و"السبورت"بأرقامها المميزة مثل 111 أو 777 أو ب ط ل تختال أمامهم وتتحداهم في القيادة بسرعة، فيتحسرون على حالهم ويتمنون لو ولدوا"سعوديين"، كأن الجنسية بالنسبة إليهم أصبحت مرادفة للوضع الاقتصادي. ولا يتورّع البعض عن توبيخ عمال المطاعم إذا تأخروا في إحضار طلباته بالقول: لو كنت سعودياً أو خليجياً لما تجرأتم على ذلك!".