بلغ ايلول سبتمبر نهايته في لبنان. هدأت نسبياً شوارع بيروت ووسطه التجاري "السياحي بامتياز"، وتراجعت حركة السيارات على طرق جبله قياساً الى الشهرين الماضيين، بعدما غادر معظم سياحه قبل ان يبلّلهم طرفه بشتائه. الموسم لم يأفل بعد، ويقول المثل الشعبي في لبنان "بين تشرين اكتوبر وتشرين نوفمبر صيف تاني". لكن في الصيف الاول، شهري آب أغسطس وتموز يوليو، شهد لبنان "موسماً غير مسبوق" لجهة نسبة الاشغال في الفنادق واستئجار الشقق المفروشة، علماً ان كثيرين من المواطنين الخليجيين يملكون مساكنهم الخاصة في لبنان، وسجل هذا الموسم حركة تملك لمزيد منها، اضافة الى حركة استئجار السيارات، إذ فاق الطلب ما هو متوافر في السوق، مع العلم أيضاً ان معظم الرعايا الخليجيين أتوا الى لبنان بسياراتهم الخاصة. ومع نهاية السنة الجارية سيحقق لبنان زيادة لافتة في عدد الوافدين عن العام الذي سبق متخطياً صفة "الموسم الواعد" كما أُعلن في التوقعات على مشارف الصيف. وافادت تقارير اقتصادية ان السياحة في لبنان شكّلت المحرك الاساس للنمو الاقتصادي. وتتوقع تقديرات القيّمين على القطاع السياحي ان يبلغ العدد 1.4 مليون سائح بعدما لامس المليون في نهاية آب الماضي، ووصل بحسب احصاءات وزارة السياحة الى 943846 سائحاً لا يشمل اللبنانيين المغتربين والسوريين والفلسطينيين. وكانت الذروة في عدد الوافدين في تموز والذي بلغ 225366 سائحاً بزيادة نسبتها 26.18 في المئة بالمقارنة مع الشهر نفسه من العام الماضي. الثابت ان لبنان وعلى مدى السنوات العشر الماضية حقق تطوراً مهماً في قطاع السياحة، التي باتت تشكل نسبة 9 الى 12 في المئة من الناتج القومي بحسب معطيات وزارة السياحة، سواء لجهة اعادة ترميم ما خرّبته الحرب على صعيد البنية التحتية وبسرعة لافتة بمبادرات القطاع الخاص. كما تمكّن من جذب استثمارات ضخمة وُظفت في هذا القطاع انطلاقاً من قناعة مستثمرين كثر، ومنهم اللبنانيون المغتربون، بأن لهذا القطاع "مستقبلاً واعداً"، وبلغ اجمالي الاستثمارات التي ضخت في هذا القطاع لترميم ما هو قائم او لبناء مشاريع جديدة فنادق وشقق مفروشة ومطاعم ومقاه اربعة بلايين دولار. كما نجح لبنان في استعادة موقعه مقراً اصطيافياً بامتياز للمواطنين العرب، فضلاً عن استقطاب السياح من اوروبا واميركا وآسيا. وأبرزت الارقام المسجلة سنوياً والتطور المحقق فيها ذلك، ليثبّت موقعه مجدداً على الخريطة السياحية العالمية. "الازدحام فوق العادة" الذي شهدته مناطق لبنان السياحية ومناطق الاصطياف، يؤشر الى هذه العودة، ويعترف اهل القطاع بأن الموسم كان "جيداً جداً". الا انهم رأوا ان السياحة بمفهومها الحقيقي لا تزال دون الطموحات المستهدفة. ويتفق رئيس نقابة اصحاب الفنادق في لبنان بيار أشقر ورئيس نقابة المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري بول عريس على ان "خمسين يوماً غير كافية". أشقر: الطريق طويلة وتوقع أشقر في حديث الى "الحياة" ان "يصل عدد السياح الى نحو 1.4 مليون في نهاية هذه السنة مقابل 1015793 سائحاً في 2003" مشيراً الى ان "الحركة المحققة حتى الآن تشير الى تحسن نسبته 35 في المئة في مقابل المدة نفسها من العام الماضي". وعلى رغم هذا التحسن المسجل في توافد السياح العرب والاوروبيين في الدرجة الثانية وتزايد عددهم من مناطق اخرى في العالم، الا ان أشقر اعتبر أنه "يجب الا ننبهر بهذه النتائج لأنها لا تعبّر عن طموحاتنا في ترسيخ لبنان بلداً سياحياً بامتياز"، لافتاً الى ان "جانباً من المواقف السياسية المحلية المرتبطة بالاوضاع الاقليمية يؤثر نسبياً في شكل سلبي على الجذب السياحي الى لبنان". ورأى انه "على رغم تحسن الحركة السياحية سنوياً، فهي لا تعكس السياحة الحقيقية، نظراً الى اقتصارها على فترة 45 يوماً في الصيف واسابيع خلال عطلات الاعياد، في حين تشهد الفترات الباقية من السنة ركوداً". وقال: "نحقق النجاح عندما نتمكن من جذب 200 ألف سائح من تركيا التي تستقطب سنوياً العدد نفسه من اللبنانيين". وأضاف أشقر: "الطريق لا تزال طويلة امامنا، ويجب ان نعمل كقطاع خاص وعام بجهد اكبر لتعميم النشاط السياحي المكثف على مدار السنة وليس فقط في الصيف". وعزا هذا الاقبال الكثيف من الاخوان العرب الى لبنان الى "محبتهم للبنان فضلاً عن تملك الكثيرين منهم مساكن لهم فيه"، من دون ان يغفل عوامل اخرى ادت الى هذه الزيادة المسجلة سنوياً في توافدهم وتتمثل ب"تخليهم عن وجهات في اوروبا واميركا بسبب الصعوبات التي تواجههم بعد 11 ايلول سبتمبر اضافة الى الظروف التي تعيشها المنطقة والتي تجعل لبنان بمنأى عن التطورات الحاصلة فيها". ولفت الى ان "وتيرة الاشغال تركزت في فنادق بيروت بنسبة 90 في المئة في فترة الاصطياف". عريس: جذب أسواق جديدة واعتبر عريس ان "تركز الحركة في مدة 45 يوماً غير كاف وهذه ليست سياحة بالمعنى الحقيقي كونها لا تدوم طيلة اشهر السنة ولا تتوزع الحصص منها على كل المناطق". واشار الى ان "90 في المئة من عدد السياح هم من المواطنين العرب الذين يقيمون طيلة هذه الفترة، في حين لا تتجاوز اقامة السياح الاوروبيين وغيرهم من جنسيات اميركية وآسيوية فترة الاسبوع". وأكد عريس على وجوب "العمل وفق استراتيجية ترويجية وتسويقية لاستقطاب المزيد من السياح وعلى مدار السنة"، داعياً الى "العمل على اسواق جديدة مثل دول اوروبا الشرقية سابقاً والصين مثلاً". وأعلن ان "النقابات السياحية طلبت من وزارة السياحة تطوير العملية الاحصائية لعدد السياح بحيث يتم تصنيف اعداد الشباب منهم والذكور والاناث ما يساعد في عملية توفير الخدمات التي تهم كل جيل فيؤدي الى تطوير الاستثمارات السياحية". ورأى ان "حركة ارتياد المطاعم والمقاهي كانت مركزة في وسط بيروت التجاري. اما في الجبل فحازت مناطق عاليه وبحمدون وحمانا الحصة الأكبر بين المناطق الجبلية والساحلية الأخرى التي شهدت اقبالاً من اللبنانيين المقيمين في الخارج". واعتبر ان "انتقاد البعض بالنسبة الى الاسعار في لبنان مبالغ فيه وهو بمثابة حرب ضد لبنان"، من دون ان ينفي "حصول تجاوزات في فواتير بعض المقاهي التي عالجتها وزارة السياحة". واشار الى ان "الاسعار في لبنان لا تزيد عن تلك المعتمدة في دبي والكويت والبحرين وقطر وحتى قبرص". وذكّر بأن "المؤسسات السياحية في لبنان تتكبد تكاليف اضافية عن تلك التي تترتب على مؤسسات سياحية في دول مجاورة، تبدأ من اسعار الخدمات من كهرباء ومياه، وتنتهي بالضريبة على القيمة المضافة غير المفروضة في دول الشرق الاوسط". وعلّق عريس على اهمية السياحة الداخلية وضرورة تنشيطها والتي من شأنها ان تؤمن تشغيل المناطق الجبلية والساحلية خارج العاصمة ومناطق الاصطياف التقليدية او التي يقصدها السياح. ورأى ان "عدم ازدهار هذه الحركة يعود الى الضائقة المعيشية التي يعاني منها اللبنانيون، فسعر صفيحة البنزين يشكل عائقاً اساسياً في تنظيم الرحلات الداخلية للاسر اللبنانية". ولفت الى عامل آخر يتمثل بتقريب موعد افتتاح السنة الدراسية في منتصف ايلول تقريباً "ما يدفع رب العائلة الى توفير ماله لتأمين تمويل مستلزمات دخول اولاده الى المدرسة ما يقلص من فترة العطلة الصيفية وايام الترفيه". مرفأ بيروت: محطة لرحلات متوسطية ولم تقتصر حركة توافد السياح الى لبنان على البوابات الجوية والبرية بل انسحبت كذلك على مرفأ بيروت الذي سجل تطوراً في حركة نزول السياح الاوروبيين الآتين على متن بواخر سياحية ضمن رحلات على مرافئ المتوسط. واشارت ادارة مرفأ بيروت ل"الحياة" الى ان "التحسن بلغ نسبة 78.4 في المئة منذ العام 2000 حتى آب الماضي". وبذلك أُدرج المرفأ في جدول الرحلات السياحية في البحر المتوسط كمحطة متوسطية. ولفتت احصاءات ادارة المرفأ الى استقبال نحو 14 باخرة سياحية في بعض الاشهر، في مقابل ثماني بواخر في بعض الاشهر العام الماضي. واللافت ان الزيادة المحققة هذه السنة واضحة في الاحصاءات اذ بلغ عدد السياح الذين نزلوا الى بيروت حتى آب 30795، فيما بلغ اجمالي السياح العام الماضي 28605. واشارت الى ان السياح الالمان يأتون في المرتبة الاولى وبلغ مجموعهم 13 ألفاً يليهم القبارصة 11 ألفاً والانكليز 1500 والروس ألف اضافة الى جنسيات اخرى من دول المتوسط. وينزل هؤلاء الى الداخل اللبناني يمضون يوماً كاملاً ويغادرون في صباح اليوم التالي. ويتوزعون على مختلف مناطق لبنان خصوصاً في وسط بيروت، في حين كانت الرحلات العام الماضي تغادر مساء اليوم نفسه. ويمتد موسم هذه الرحلات حتى الخريف. وعزت ادارة المرفأ هذا التحسن في الحركة، اضافة الى ما يشكله لبنان كنقطة جذب سياحية، الى عوامل اخرى تتمثل بالتسهيلات المقدمة باعفاء السياح من الرسوم المرفأية ووجود منطقة حرة للتبضع، لافتة الى ان حجم المبيعات يصل الى مئة ألف دولار لكل باخرة، فضلاً عن خفض رسوم "تلبيص" البواخر السياحية والسرعة في منح تأشيرات الدخول. كما وفرت الادارة حافلات لتأمين وصول السياح الى خارج منطقة المرفأ. الحركة بالارقام: السعوديون اولاً بين العرب... والاوروبيون ثانياً من الاجمالي بلغ اجمالي السياح الذين دخلوا الى لبنان حتى آب الماضي 943.846، توزع كالآتي: من الدول العربية: بلغ عدد السياح 428.432 في المرتبة الاولى من الاجمالي، وحل السعوديون أولاً اذ بلغ عددهم 167.941. من اوروبا: بلغ عدد السياح 238.459 وهم في المرتبة الثانية والغالبية من اوروبا الغربية حل الفرنسيون أولاً ثم الالمان والانكليز. من آسيا 114 ألف سائح وهم في المرتبة الثالثة. من اميركا 112.567 سائحاً، وهم في المرتبة الرابعة، حلّ السياح من الولاياتالمتحدة في المرتبة الاولى نحو 60 ألفاً وتلاهم الكنديون نحو 38.4 ألف. من استراليا 33 ألفاً. ارقام المرفأ: بين 2003 و2004 تنشط الرحلات السياحية بدءاً من ايار مايو وبلغ عدد السياح خلاله 6391 في مقابل 1728 في الشهر نفسه في 2003، حزيران يونيو بلغ العدد 7536 في مقابل 3734، تموز يوليو 10065 في مقابل 4865، آب اغسطس 5530 في مقابل 6472.