يفكر الإنسان منذ القدم في كيفية إنجاب طفل، ذكراً أو أنثى، وفي حديث شريف يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:"إذا علا ماء الرجل ماء المرأة أذكر بإذن الله". وتنتشر طرق يظن الناس أنها تمكنهم من إنجاب مولود ذكر أو أنثى، في شتى المجتمعات الغربية والشرقية... الدينية السماوية وغير السماوية بل وحتى في المجتمعات اللادينية. كل له طرائقه، بداية من الوصفات الشعبية المشتركة والأخرى التي ترتبط بتاريخ معين لأحد المجتمعات. وعلى استخدام توقيت الجماع وتحديده بحسب مواعيد"التبويض"عند المرأة، إحدى هذه الطرق التي تستخدمها سيدات كثيرات من أولئك اللاتي يهتممن بتحديد جنس المولود. ويأتي أيضاً استخدام الغسول المهبلي لتغيير حموضة وقلوية المهبل كطريقة أخرى، إذ إن هذه الحموضة تؤثر في حركة الحيوان المنوي المذكر أو المؤنث ونشاطه. وبما أن الحديث هنا عن تأثير المهبل في تحديد جنس المولود، يأتي دور بعض الأغذية - كما هو شائع - التي تغير في تركيب إفرازات المهبل وعنق الرحم. وبالتالي في درجة حموضة وقلوية المهبل. وبعيداً من دور مهبل المرأة ومدى صحة ذلك، يأتي استخدام جداول الشهور القمرية والسنين الصينية، إذ يعتقد في الصين أن معظم مواليد بعض الشهور ذكور، في حين أن معظم مواليد شهور أخرى إناث. لا يمكن حصر الطرق التي يستخدمها الناس في ما ورد ذكره لكن الدكتور أحمد مهيب يقول:"إن نتائج هذه الطرق كافة، نتائج ضعيفة، ولا يمكن الاعتماد عليها أبداً في الأبحاث العلمية وفي الواقع. فهناك حاجة طبية لترجيح إنجاب جنس معين في الأجنة". ويؤكد مهيب:"إن انتشار هذه الخرافات أو الطرائق التي ربما يثبت بعضها وفي حالات نادرة، لا يُعد مشكلة أمام تدخل بعض المراكز وجنيها الأموال من طرائق تشبه أو قريبة من هذه الخرافات". وبمعنى آخر يقول:"إن هناك مراكز كثيرة في السعودية تزعم أن بقدرتها تحديد جنس المولود عن طريق تقنين الأغذية أو تحديدها، ليصبح عملهم أشبه بمراكز"الريجيم"أو التخسيس، والتي تعد لوائح طعام لكل مشترك وطبعاً لو لم تنجح تجاربهم فالعذر موجود: كل شيء بيد الله. أما إذا حصل أن نجحت خرافاتهم وهذا وارد جداً، إذ إن الاحتمالات تقف عند اثنين فقط إما ولد أو بنت، فسيكون ذلك بمثابة نجاح لهم". ويستطرد الدكتور:"وطبعاً تربط هذه المراكز أيضاً بين السمنة والوزن وكلما طالت فترات المعالجات، يعني أن أرباحهم ستزيد. وكل ذلك يرتكز فقط على جهل بالعلم، للإعلام وغيره دور فيه". وعن بيكربونات الصوديوم يقول:"أعرف أن هناك من يقول بفائدتها وأنها ترجح الجنين الذكر، لكنها ليست إلا صدفاً بحتة، فاقتناع المرأة بذلك وإنجابها مولوداً ذكراً يعزز اقتناع من حولها من النساء لتكون بعد ذلك الخرافة حقيقة عند الناس فقط". الأمور غير المثبتة علمياً كثيرة، ولا تقف عند حد العامة فقط فبعض الأطباء يرى مثلاً"أن قلة الخصوبة عند الرجل تؤدي إلى إنجاب الإناث. إذ إن هناك نظريات طبية تقول: تكون فرص إنجاب الإناث أكبر عند الرجل الذي يعاني من ضعف في تركيب السائل المنوي مثل نقص عدد الحيوانات المنوية أو ضعف في حركتها أي قلة الخصوبة. وهذا الأمر ليس إلا أمراً استقرائياً، ويظهر أيضاً عند الرجال المصابين بدوالي الخصية الذي تؤثر في خصوبته. ولا تنطبق هذه النظريات على كل الحالات، ومصدرها تأثر نوع الجنين بمدى قوة وحركة الحيوان المنوي المذكر أو المؤنث داخل المهبل". وعلى رغم أن مهيب يرى أن معظم وسائل اختيار جنس الجنين غير مسند بأدلة علمية، بل ببعض العادات والتقاليد الاجتماعية والخرافات البحتة، باستثناء الوسائل العلمية الدقيقة التي تحدث عنها في الحلقة الأولى، فإنه لا يمانع في الحديث عن تلك الخرافات وتعريفها، كونه متخصصاً ويحتاج إلى معرفة ما يدور في المجتمع عن المجال الذي يعمل فيه. يقول الدكتور:"بالنسبة إلى الأبراج الصينية فلا حاجة للاستفاضة في شرحها، إذ تعتمد على الفرضيات الفلكية لتحديد جنس المولود. أما بالنسبة إلى الغذاء فيرى أصحاب المراكز الذين يسوقون لأهميته في تحديد الجنس أن اتباع المرأة حمية غذائية لمدة زمنية محدودة كي تدعم مخزوناً غذائياً بعينه، يشجع الجنس المرغوب به. وهناك أيضاً توقيت الجماع، بالاعتماد على خصائص الحيوانات المنوية الفيزيائية، إذ تختلف هذه الخصائص في الحيوانات المنوية الأنثوية عن الذكرية، فالأخير خفيف الوزن وسريع الحركة، لكن أمده قصير، في حين أن الأنثوي ثقيل الوزن وبطيء الحركة ويعيش فترة زمنية أطول. وإذا حدث الجماع مباشرة بعد حدوث الإباضة فإن الكفة ترجح الذكور والعكس صحيح". يبتسم مهيب قبل أن يكمل شرحه في ما يختص بالغسول المهبلي:"يمكن تسميته بالدش المهبلي. وترتكز هذه الفرضية علمياً على أن المهبل الحامضي هو الملائم للحيوان المنوي الأنثوي، أما الوسط القاعدي فيناسب الحيوان المنوي الذكري، وبالتالي يتم الغسيل أو الدش بحسب الطلب ومدى حمضية المهبل". ويصر في النهاية على التأكيد أن كل ذلك ليس إلا استقراءات وبعضه لا يتجاوز الخرافة فليس هناك استناد علمي سوى في الطريقتين المذكورتين في الحلقة الأولى:"فصل الحيوانات المنوية المذكرة، ثم تقويتها وزرعها في رحم الزوجة عند التبويض بالحقن الاصطناعي، وهذه التقنية ترجح كفة الحيوان المنوي الذكري. اما الثانية فتتعلق بأطفال الأنابيب، إذ يدرس نوع الأجنة بعد تشكلها وانقسامها، ليحدد بعد ذلك جنسها، ولا يرجع إلى رحم المرأة سوى الأجنة المرغوب في جنسها أنثى أو ذكر". وبعد كل ذلك... هل يقتنع أصحاب الإشاعات والخرافات أم أن موضوع تحديد الجنس برمته سيظل بعيداً من عقل القراء واهتمامات بعضهم؟