شكوت من القشرة فنصحتني ب"بعض الغرامات من الطين الخويلدي وصفار البيض. امزجيهما جيداً. ضعيه على شعرك وخلليه جيداً". هكذا تردد أم محمد 47 عاماً الوصفة التي حفظتها للقضاء على القشرة، قبل أن تظهر ماركات الشامبو الكثيرة كثرة نجوم السماء. وجميعها تعد مستخدميها بشعر سهل التصفيف، خال من القشرة. لم تغر الإعلانات الكثيرة التي تبث عبر التلفزيون، أم محمد لتغيير رأيها. وتقول:"إنها تأتي بالحساسية للرأس، وتتسبب في تساقط الشعر... لم نكن نعرف من الشامبو شيئاً، كنا نلجأ إلى الطين الخويلدي لغسل الشعر فهو أفضل من البلسم والدهانات التي توصف بأنها تذهب القشرة عن الرأس". عرف الطين الخويلدي بين سكان منطقة القطيف منذ زمن طويل، وتعددت استخداماته بين غسل الشعر والجسد، وغسل الملابس، وجاءت تسميته بالخويلدي نسبة للقائمين باستخراجه، وهم أهل الخويلدية دون سواهم من قاطني منطقة القطيف. يقول إبراهيم عباس الشهاب 49 عاماً موظف في ارامكو، إن"أهل بلدته الخويلدية هم فقط من كان يستخرج الطين، لذلك سمي باسم قريتهم". ويضيف أنهم"كانوا يبيعونه الى تاجر في القطيف، يقوم بدوره بتوزيعه على التجار والعطارين". ويستخرج الطين من جبل براك، الذي يقع بعيداً عن قرية الخويلدية وقريباً من قرية الجارودية. وهذا الجبل ليس جبلاً كما يتبادر الى الذهن، بل هو عبارة عن تلة ترتفع عن الأرض نحو خمسة أمتار، إلا أن تركيبتها من الحجارة الصخرية اكسبتها اسم الجبل، من دون هيبة الجبال، وصنع الحفر المتواصل تحتها لاستخراج الطين، مغارة كهف ضيقة الاتساع ومنخفضة السقف، تجبر الداخل إليها على الزحف بعض الأحيان للوصول إلى منجم الطين. لم تعد هذه التلة موجودة، إذ أزالتها البيوت الزاحفة اليها والى مزارع النخيل حولها في قرية الجارودية. ولم ينسَ كبار السن في قرية الخويلدية الحادثة التي وقعت، قبل أكثر من ثمانين عاماً، حين توجهت ثمان من النساء الى أرض الجبل، لاستخراج الطين من باطنه. يقول الشهاب"كانت أمي احداهن، كن جميعاً متزوجات حديثاً، وكان ذلك في شهر رمضان المبارك. لم يعلمن أنهن يمشين لحتفهن تحت أنقاض المغارة. حين توسطن المغارة انهارت عليهن. لم تكتب النجاة إلا لأمي، وبقيت تحت الأنقاض نحو يومين، سارع أهل البلد لنجدتهن، لكن الأوان كان قد فات". ويشير إلى ان احد رجال الخويلدية الذين هرعوا الى الموقع عبد الرحيم آل انتيف، سمع صوتاً ينبعث من تحت الأنقاض، عرف حينها أن هناك واحدة على قيد الحياة. انقذت أمي وأخذت الى البيت واستمرت فترة طويلة تعالج من آثار الرضوض التي خلفها انهيار الحجارة فوقها". لم تنه تلك الحادثة الحاجة للطين الخويلدي، وعاد الناس الى استخراجه كما كان سابقاً بالحفر تحت ما يسمى جبلاً. وكان يطلق على مكان استخراج الطين المقلع. تقول أم محمد إن"بعض النساء يستخدمن الطين لتعطير الملابس، بوضعها في سلة مصنوعة من سعف النخيل الزبيل. ويوضع فوق الثياب بعض الطين والريحان". وتشبه الرائحة التي تلتصق بالملابس"رائحة جسد خرج للتو من حمام ساخن". وتقول أم عباس 71 عاماً من أهل الخويلدية إن"الطين نوعان: ابيض يستخدم لغسل الملابس وبخاصة الأسود منها، والثاني يميل لونه الى الأخضر، يستخدم لغسل الشعر والجسد". وتقول إن"كلا النوعين يسمى بالطين الخويلدي". وما زال البعض يستخدم الطين، وهناك من يبيعه إلى الآن سواء في الأسواق الشعبية كسوق الخميس أو في البيوت، وتفيد أم عباس"في السابق كان هناك باعة متجولون بين القرى، متخصصون في بيع الطين الخويلدي. كانوا ينادون على بضاعتهم بصوت عال طين خويلدي". وتتراوح أسعاره بين العشرة ريالات والخمسة للكيلو الواحد. ومن يرغب في التجربة فعليه مراجعة اقرب عطار قطيفي، أو عجوز خويلدي.