سيجارة كل يوم. عقل يفور، روح تهيم في جسدي العليل. يا ظلمة كل صباح، يا تاريخ من الألم، يا الحلم. تخطى واقعك المدى. تدفقي يا سنوات ضائعة ما بين اليقظة واللاوعي. تشعلها كل صباح في ظلمة"القرفصة"في حمامك الجديد، القديم، الأبيض، الأحمر، الأسود، الرمادي، بعود ثقاب وحيد تصل حاضرك بماض سحيق، في عتمة جديدة، لا تكترث بقضاء حاجة ما، فها هو الجوع قد تساوى مع الشبع. جسدي يؤلمني، عظم الركبة اليمنى يؤلم عظام الفخذ كله، تائه في العتمة بقصد، أبحث عن نشوة في ظلام انكفائي صوب حوض الحمام الأبيض، الباهر لمعانه بسهم ضوء رفيع مسلط من نافذتي المطلة على المنور العتيق، وهديل حمامات يعينني على الأمل. منذ عقود ثلاثة وحلم يتكرر، كابوس، رؤية، ثالوث جهنمي، رياحه باردة، فتتوه محطات العمر وتذوب الفواصل بين طفولتك وصباك وشبابك الذي طال بلا حد. تجتر ما حدث منذ شهور، وتنفث دخان السيجارة في ظلام صباح طوبة... يا ليل، أنا وإللي أحبه نشبهك؟! تتذكر مقولة شاعر قريب لحواسك، لما الشتا يدق البيبان...، دخان في الميدان مر عليه عامان، كان الوقت ظهيرة، وأنا أبحث عن بطاقتي في جيبي، وفيزا كارت، وليلة جمعة، وجسد منهك. شتاء يزحف بوحشية قاصداً مهاجمة الأجساد المهلهلة، والأعضاء المرتخية، يا ليل يناير...؟! يا منتصف فبراير، يا من فارقت نصف عمرك من عقود ثلاثة وشهور عدة وأربعة أيام عتيدة. صباح النور على الورد المفتح في جناين مصر، يا أزيز الطائرات، يا صديقي، يا أيتها المرأة الغريبة الحانية التي اخترقت الحشود بعد أن هربت من رحلة يومية بليدة صوب إطعام لم يكتمل إلا على لحم بطني؟! عقود تتراقص أمام عيني وعين الشاعر الإسيانة في صمت المقاهي الخالية إلا من أحلام مجهضة، وأعمار معلقة فوق كراسي خيزران، تجتمع في صحن البستان الدافئ. يا وشيش، تعالى، تجلى، زِد في الصلصلة، امنحني قوة أملكها منذ سنوات ولكنها انفلتت من قبضتي في ظلمة جلستي، وفضلاتي التي انحشرت في مسالك الدروب، وهوى يراودني عن جنوحي، وجنوني، وسكرتي، ونشوة لم تكتمل رغم اتمام البدايات. الشعب يريد إطلاق الأرواح؟! وصاحبي يطوف صوب منعطفات المدينة المُحكمة الإغلاق من الأبواب الرملية كافة. يا أزيزاً حربياً في العُلا قل لي من أنت؟ من أنا؟! من هؤلاء الشراذم المرتدون بزات سوداء ومموهة... يقبعون فوق مجنزرات التهمت أبي، وسارت بفظاظة وجبروت فوق حطام الحالمين. لتصوب المقذوفات بدقة في صدر الصبي ذي الرداء الأحمر، الذي لم يسعفه القدر ليتوارى عن الأدخنة الزرقاء والسوداء الهلامية السابحة في ميدان التواريخ، ناحية الشوارع المؤدية إلى اللاشيء. عدم وفجر؟ طاشت على أثره أحلام الفقراء المعدومي الحيلة، فبانت العربة الخشبية الصغيرة؟ وحيدة تفر في ميدان الغفران صوب عيون الرائي السامع، المراقب في صمت وروية منتظراً عقوداً من الصبر تنفك متدلية من سماء صماء تهبط بالغفران والفجيعة؟