في مثل هذه الفترة من كل سنة قبل بداية الأزمة المالية العالمية، كانت الأسواق المالية في المنطقة تشهد نشاطاً استثنائياً، وهي الفترة التي تسبق إفصاح الشركات عن نتائج أعمالها ومستوى أدائها عن فترة الشهور التسعة الأولى من السنة. وتكمن أهمية هذه البيانات في أنها تعطي للمستثمرين والمضاربين فكرة أولية وواضحة عن توقعات أداء الشركات خلال السنة كاملة، إضافة إلى نشاط ملحوظ لكبار المضاربين للحصول على معلومات داخلية قبل نشرها رسمياً للاستفادة منها سواء في الشراء أو البيع. وبالتالي كنا نلاحظ خلال هذه الفترة طلبات كبيرة على أسهم بعض الشركات من دون توفر معلومات، أو العكس.ومع بداية التأثيرات السلبية للأزمة المالية العالمية، أصبحت الأسواق في المنطقة تركز على عوامل خارجية مرتبطة بأداء الاقتصاد العالمي وأسواق المال العالمية، ومتابعة الأزمات المالية المختلفة، وأداء الاقتصاد العالمي إضافة إلى تأثر الأسواق المالية في المنطقة خلال العام الجاري بأحداث جيوسياسية استثنائية. وتعززت هذه الارتباطات الخارجية بسيولة الاستثمار الفردي المسيطرة على حركة أسواق المنطقة. وفي المقابل، ضعف الاستثمار المؤسسي بحيث أصبحت العواطف والإشاعات والعوامل النفسية تلعب دوراً مهماً في حركة مؤشرات معظم أسواق المنطقة، من دون الالتفات إلى الأساسيات الاقتصادية والمالية والاستثمارية لاقتصادات المنطقة وقوة القطاع المصرفي وربحية الشركات المدرجة. وعلى سبيل المثال تراجع مؤشر سوق دبي خلال الشهور التسعة الأولى من السنة بنسبة 12 في المئة، ومؤشر سوق أبوظبي بنسبة 6.8 في المئة. لكن هذه التراجعات الكبيرة ليست مرتبطة بأداء الشركات المدرجة، إذ بلغت نسبة النمو في أرباح الشركات خلال النصف الأول من العام الجاري 15 في المئة، وبالتالي نلاحظ الفجوة الكبيرة بين أداء الشركات وأداء أسهمها في الأسواق. كما أن معظم خسائر أسواق المنطقة تحقق خلال أيلول (سبتمبر) الماضي نتيجة أزمة الديون والبنوك الأوروبية، إذ تعرض كل أسواق المال العالمية إلى خسائر متفاوتة نتيجة التخوف من التأثيرات السلبية لهذه الأزمات.وما ينطبق على أسواق الإمارات، ينطبق أيضاً على معظم أسواق المنطقة. والملاحظ أن معظم مؤشرات أسواق المنطقة تراجع إلى مستويات عام 2004، ما أدى بالطبع إلى تراجع كبير في قيمة التداولات بحيث أصبحت قيمتها اليومية لا تتجاوز ما نسبته 10 في المئة من قيمة التداولات عام 2005 أو عام 2006، وهذا بالطبع يعكس حالة الحذر والترقب التي تسيطر على قرارات المستثمرين. وكان من إحدى نتائجها تحول عدد كبير من المدخرين إلى الودائع على رغم الانخفاض الكبير في سعر الفائدة والتي تقل عن مستوى التضخم، وبالتالي انخفاض القوة الشرائية للأموال المودعة والتحول إلى الودائع على رغم توافر فرص استثمارية مهمة في الأسواق المالية، ما يعكس ارتفاع مستوى الأخطار في الأسواق. ومن هذا المنطلق يفضل المودعون الابتعاد عن الأخطار على رغم ارتفاع عائدها المتوقع والتحول إلى الودائع باعتبارها عديمة الخطر في ظل ظروف اقتصادية ومالية عالمية استثنائية، وضبابية التوقعات لأداء الاقتصاد العالمي وحل مشاكل الديون السيادية والمصارف الأوروبية.* مستشار الأوراق المالية في «بنك أبو ظبي الوطني»