للسنة الخامسة على التوالي يعاني العديد من أسواق المنطقة كساداً، وضعفاً في الثقة، وانخفاضاً كبيراً في قيمة التداولات، وتراجعاً في أداء معظم المؤشرات، وانحساراً واضحاً في عدد المستثمرين والمتداولين، إضافة إلى تراجع الدور الذي تلعبه هذه الأسواق في تعزيز أداء الاقتصاد، سواء من خلال طرح أسهم شركات مساهمة عامة جديدة، أو تمويل مشاريع وتوسعات لشركات قائمة. وعلى رغم بعض المكاسب التي حققتها مؤشرات بعض أسواق المنطقة خلال العام، لا تزال مستويات إغلاق المؤشرات أقل منها عند بداية الأزمة المالية العالمية في الثلث الأخير من عام 2008، بعكس معظم أسواق المال العالمية التي استطاعت استعادة كل ما خسرته خلال فترة الأزمة المالية بل وتحقيق مكاسب إضافية. فمؤشر «داو جونز» الأميركي ارتفع بنسبة 15 في المئة مقارنة بإغلاقه نهاية حزيران (يونيو) 2008، بينما لا يزال مؤشر السوق السعودية، الأكبر في المنطقة، منخفضاً بنسبة 28 في المئة، ومؤشر سوق دبي المالية بنسبة 70 في المئة، على رغم تحقيق الأخير مكاسب نسبتها 20 في المئة هذا العام، ومؤشر سوق أبو ظبي منخفضاً بنسبة 46 في المئة، على رغم تحقيقه مكاسب بنسبة 12 في المئة هذا العام. وتبلغ نسبة انخفاض مؤشر سوق الكويت 62 في المئة وهو خسر هذا العام ما نسبته 1.68 في المئة. أما أكبر الخاسرين هذا العام فهو مؤشر سوق البحرين وذلك بنسبة 8.6 في المئة، بينما بلغت نسبة انخفاض مؤشر سوق قطر هذا العام خمسة في المئة، وتراجع مؤشر سوق الأردن بنسبة 4.2 في المئة، ومؤشر سوق لبنان بنسبة 4.9 في المئة. وتأثرت أسواق المنطقة هذا العام بالعديد من العوامل الاقتصادية والمالية والسياسية السلبية، سواء المحلية أو الإقليمية أو العالمية، ولعبت الأوضاع السياسية والأمنية خلال العام الماضي وهذا العام دوراً سلبياً في العديد من أسواق المنطقة وساهمت بعدم استقرارها وارتفاع أخطارها باعتبار أن أسواق المال هي أكثر الأسواق تأثراً وحساسية تجاه أي أحداث اقتصادية أو سياسية أو مالية استثنائية. وعلى رغم استمرار ارتفاع أسعار النفط وانعكاسه الإيجابي في أداء اقتصادات دول الخليج، ساهمت عوامل أخرى في عدم تفاعل معظم أسواق الخليج مع هذا الارتفاع. فأسواق المنطقة لا تزال تعاني من سيطرة سيولة المضاربين على حركتها في مقابل ضعف الاستثمار المؤسسي، ما يؤثر سلباً في كفاءتها. وتلاحَظ الفجوة الواضحة بين أداء الشركات المدرجة وأداء أسهمها في أسواق المال والتي تعكس ارتفاع مستوى الأخطار وتراجع مستوى الثقة. فمؤشر سوق الأردن، مثلاً، تراجع خلال هذا العام بنسبة 4.2 في المئة بينما بلغت نسبة نمو أرباح الشركات المدرجة في السوق نحو 20 في المئة. وأدت ضبابية التوقعات بالنسبة إلى أداء اقتصادات المنطقة والاقتصاد العالمي إلى التحول إلى الأدوات الاستثمارية العديمة الأخطار وفي مقدمها الودائع المصرفية، تليها السندات والصكوك، على رغم توافر فرص استثمارية مهمة في العديد من أسواق المنطقة. وأصبحت سيولة الاستثمار الأجنبي التي تراجعت بنسبة كبيرة خلال العام الماضي وهذا العام ومع بداية «الربيع العربي»، أكثر سخونة أي سريعة الدخول والخروج فلا تساهم في استقرار مؤشرات هذه الأسواق. وأدت الأوضاع السياسية غير المستقرة في مصر أخيراً إلى تراجع المكاسب التي حققتها البورصة المصرية في بداية العام مع تحسن هذه الأوضاع بينما لا تزال الأوضاع السياسية غير المستقرة تضغط على مؤشرات أداء بورصة الكويت والأردن والبحرين ولبنان وتونس والمغرب، كما أن الأوضاع السياسية غير المستقرة تساهم في تعثر النمو في العديد من دول المنطقة، الأمر الذي له تأثير سلبي في أداء القطاعات الاقتصادية وأداء الشركات. ولا تزال أسواق المنطقة تتابع التأثيرات السلبية لأزمتي الديون السيادية والمصارف الأوروبية، إضافة إلى «الهاوية المالية» في الولاياتالمتحدة وأداء الاقتصاد العالمي، فأي تباطؤ أو ركود في الاقتصاد العالمي ستكون له انعكاسات سلبية على أداء اقتصادات المنطقة وعلى أسعار النفط. ولا تزال نسبة مهمة من المستثمرين في أسواق المنطقة غير متفائلين بتحسن كبير في مؤشرات أدائها خلال العام المقبل في ظل استمرار عدم التيقن كم تحسن الأوضاع السياسية الإقليمية واستمرار تحسن سعر النفط وتحسن أداء الاقتصاد العالمي وحل مشكلة الديون السيادية الأوروبية، إضافة إلى أهمية انحسار الأخطار النظامية وغير النظامية التي أثرت في أداء أسواق المنطقة منذ بداية التأثيرات السلبية للأزمة المالية العالمية وما تبعها من أزمات. * مستشار لأسواق المال في «بنك أبو ظبي الوطني»