أكدت الأحداث الأخيرة التي أعقبت الاعلان عن انتاج"فيلم الاساءة"حاجة العالم الى تشكيل جبهة عالمية ضد التطرف بكل أشكاله، للتصدي لظاهرة العنف والارهاب التي تجتاح العالم والتي لن يسلم من شرورها أحد، ولعل في الأحداث التي تجري اليوم في عدد من البلاد العربية دليل واضح على هذه الحقيقة. وفي الوقت الذي نستنكر انتاج مثل هذه الافلام التي تسيء الى المقدسات والرموز الدينية، نستنكر كذلك ردود الفعل العنفية التي أزهقت بسببها الأرواح ، فرد الفعل العنفي لا يقل اساءة للدين عن اساءة الفيلم ذاته، فكما ان الفيلم اساء للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عندما لفّق أموراً وزوّر أخرى، كذلك فإن القتل باسم الدين او باسم الدفاع عن رسول الله يسيء الى الرسول الكريم قبل أي أحد آخر. وعلى رغم ان الفيلم سيّء بكل المعايير، ان على صعيد المحتوى او على صعيد توثيق المادة، بل حتى على صعيد الرسالة التي أراد إيصالها للمتلقي، كونه اعتمد على مجموعة من الأكاذيب في محاولة لتضليل الراي العام، الا ان رد الفعل الذي تميز بالعنف جاء اسوأ منه بكثير، لذلك ينبغي على المسلمين كافة التبرؤ من الاثنين معاً، من الفيلم ومضمونه ومن رد الفعل العنفي. أوليس القتل والذبح وتفجير السيارات المفخخة وزرع العبوات الناسفة في الطرقات العامة والأماكن المكتظة بالناس لتقتل أكبر عدد ممكن من الأبرياء باسم الدين وباسم الرسول الكريم كلها اساءات عظيمة بحق رسول الله؟ أوليس تكفير المسلمين واستباحة دمائهم وأعراضهم باسم الاسلام وباسم الدين، اساءات عظيمة بحق رسول الله الذي قال"المسلم على المسلم حرام، ماله ودمه وعرضه". ان الارهاب واحد لا يتجزأ، فلا يمكن ان يكون محموداً في مكان ومنبوذاً في مكان آخر، او مقبولاً في مكان ومرفوضاً في مكان آخر، او صديقاً لسياساتنا في مكان، وعدواً لها في مكان آخر، وان من أعظم الاخطاء التي يرتكبها الغرب اليوم، وتحديداً الولاياتالمتحدة، هي انها تميّز بين نوعين من الارهاب، فتتعامل مع نوع وترفض آخر وهي تتصور انها اذا اعتبرته صديقاً في مكان ما فستأمن شره في مكان آخر، ولقد اثبتت التجربة بأن هذا النوع من التفكير غير السليم خطأ لا يستقيم مع المنطق والعقل أبداً. ان من يدعم الارهاب في أي مكان من العالم ستحترق اصابعه بنيرانه وفي أي مكان من العالم، وان من يحاول تصدير الديموقراطية بالارهاب سينقلب عليه عاجلاً او آجلاً. ان كيل الولاياتالمتحدة بمكيالين ازاء ما يجري في البلاد العربية، هو الذي أدى الى كل هذا الاستنفار النفسي والعاطفي ضدها، والذي راح يتهمها بالوقوف وراء كل ما يجري من سوء للعرب والمسلمين، وإلا ما دخل الادارة الاميركية بانتاج الفيلم السيّء ليأتي الرد عليه بمهاجمة سفاراتها وقتل أحد ديبلوماسييها؟ ولكن، بسبب الجو المشحون بالعداء ضدها فإن من المتوقع ان تستهدفها ردود الفعل مباشرة بلا تمييز. ان على الولاياتالمتحدة الأميركية ان تعيد النظر في سياساتها في المنطقة، فقد يساعدها ذلك في التقليل من العداء المتزايد ضدها، وأول ما عليها فعله هو ان تقرر فوراً ايقاف سياسة الكيل بمكيالين. ان تطورات الأحداث الأخيرة تؤكد حاجة العالم الى تشكيل جبهة عالمية موحدة ضد التطرف بكل أشكاله، الفكري والثقافي والفني والاعلامي، وفي كل شيء، بغض النظر عن هويته ودينه والى أي قارة ينتمي، فالتطرف واحد، والمتطرفون جبهة واحدة هدفهم تدمير البشرية ودق أسافين العداء والكراهية بين بني البشر. أخيراً، على العرب والمسلمين ان ينتبهوا لأنفسهم فلا ينجروا وراء الفتن فنحن اليوم في زمن تكثر فيه الفتن من أجل إلهائنا، وعلينا ان نتحلى بالصبر والحكمة والعقلانية عندما نتعامل مع الفتن والإثارات التي لن تنتهي أبداً. - بريد الكتروني