أشياء موجودة لكنها غير موجودة. ماذا تكون هذه؟ لن يخبرنا القديس أوغسطين. مع انه ذكر خبر سحلاة تحيا في النار. عظاءة تأكل النار وتشربها. إذا اتسخ جلدها تدخل اللهب وتتحمم وترجع نظيفة. يتنفس السمندر في النار كالسمكة في الماء والثعبان في التراب والطير في الهواء. إذا سُلخ جلدها صنعت منه مناديل لا تبلى أبداً. حين يتّسخ المنديل يرمى يُغطّس في اللهب دقائق فينظف ويرجع أبيض كالثلج. خرافات تليق بالقزويني "عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات" والإمام الدميري "حياة الحيوان الكبرى". لكنها لا تهمّنا هنا. أسهل من الذهاب إلى القديس أوغسطين الذهاب إلى"اعترافات"توماس دي كوينسي. وأسهل حتّى : مراجعة ملاحظات بورخيس على دي كوينسي. عند نقطة يتقاطع فيها كولريدج "سيرة أدبية" مع بلينوس "التاريخ الطبيعي" تولد من دون أن ننتبه"مكتبة بابل". ماذا تكون هذه؟ المخزن السريّ لتاريخ العالم وآدابه. العالم كاملاً وخالداً وموزّعاً تبعاً لنظام غامض على الرفوف. من يقرأه؟ بينما يهتزّ عالمنا ماذا نفعل؟ يهتزّ العالم بلا توقف. مرّات، في فترات غير محدّدة، مباغتة أحياناً، يتضاعف شعورنا بهذا الارتجاج. الموقت قانون الوجود. من قبل ماركوس أوريليوس الإمبراطور الفيلسوف. في عالم قانونه الموقت الزائل، هل يبدو عبثياً السعي إلى اكتساب المعرفة؟ الجهاد المتواصل من أجل الفهم! والفهم يأتي على مهل شوبنهاور. لكن هذا لا يهمّنا. بسّوا كي يدفع الملل كتب يوميات محورها الملل الفلسفي. والغيوم. ماذا يربط الفضول العلمي الشعري بالحاجة إلى قطع الوقت؟ لا يقطع أحدنا الوقت إلا وهو يهرم ويمرض. هل السعي إلى"مكتبة بابل" سعي إلى تجاوز السقوط؟ هل يمكننا ألا نسقط؟ لحظة السقوط أزلية. أبدية أيضاً. في كل لحظة نحن نسقط على كوكب يسقط. لكن هذا لا يهمّنا. ماذا يهمّنا؟ على الأقل في هذه الساعة: أن نلتقط أشياء عن الرف، أشياء حقيقية غير مرئية، وننظر إلى القديم. الباقي وغير الباقي. بينما العالم يهتزّ. بينما العالم كالعادة في حاجة إلى أن يتغيّر. لن نسحب السمندر من الموقدة أسفل"مكتبة بابل". لكن سنستخرج من حريق مكتبة عين الرمانة بيروت أواخر نيسان أبريل 1975 روزنامة أُعدّت متأخرة شهوراً عن بداية العام الجديد. لم توزّع الروزنامة: اللهب حيث تحيا سحلاة أوغسطين أحرقها. قذائف الحرب. "أخبار الزمان"المنسوب للمسعودي، كتاب حقيقي؟ أحدهم يتذكّر أنه فتح المجلّد المخطوط مرّة وقرأ فيه. أين هو الآن؟"مروج الذهب ومعادن الجوهر"موجود. مكتبة بغداد القديمة ضاعت ونهر دجلة تلوّن بالحبر لكن"مروج الذهب"موجود في" مكتبة بابل"وفي أسواق القاهرة وتونس وصنعاء ودمشق... سلسلة أسماء حقيقية. وكل اسم لغز. وكل اسم عالم. داخل العالم عوالم أخرى."أخبار الزمان"حقيقي؟ إذا لم نفتح المجلّد ونقرأه كيف يكون موجوداً؟ إذا لم تنجُ روزنامة واحدة من ذلك الحريق كم سنة مرّت من 1975 إلى هذه الساعة؟ كيف ننظر إلى الصور 12 صورة ونقرأ المكتوب في الأسفل؟ من أصدرها؟ شركة هندسة؟ نقابة؟ وزارة؟ كانون الثاني يناير 1975: صورة بناية بركات 1924 على تقاطع السوديكو - الناصرة. هندسة يوسف أفتيموس 1866- 1952. أنجز أيضاً مبنى بلدية بيروت 1933. شباط فبراير 1975: صورة مبنى البرلمان 1931 في ساحة النجمة - وسط بيروت. هندسة مارديروس ألتونيان 1889- 1958. أنجز أيضاً مصح العزّونية 1937. آذار مارس 1975: صورة قصر اليونيسكو 1947 في منطقة اليونيسكو- الكولا. هندسة فريد طراد 1901- 1969. أنجز أيضاً فيلا كتّانة 1949. نيسان أبريل 1975: صورة مركز اللعازارية التجاري 1953 في شارع الأمير بشير. هندسة الفرنسي أندريه ليكونت 1894. أنجز أيضاً مطار بيروت الدولي 1954 في خلدة غرب بيروت ومستشفى رزق 1957 في الأشرفية. أيار مايو 1975: صورة دار الصيّاد 1954 في الحازمية. هندسة البولندي كارل شاير 1900- 1971 الذي لجأ إلى لبنان بعد الحرب العالمية الثانية. أنجز أيضاً مبنى الألوميناي 1952 في رأس بيروت لخريجي الجامعة الأميركية. حزيران يونيو 1975: صورة الكوليج البروتستانت 1955 في شارع مدام كوري. هندسة الفرنسي ميشال ايكوشار 1905 صاحب مخطط بيروت العام 1943. تموز يوليو 1975: صورة الهوليداي إن 1974 في منطقة الفنادق. هندسة الفرنسي أندريه وجنسكي 1916 مساعد لوكوربسيه. أنجز أيضاً بالاشتراك مع موريس هندية مبنى وزارة الدفاع 1968 في ضاحية اليرزة شرق بيروت. آب أغسطس 1975: صورة سينما روكسي 1932 في ساحة البرج. هندسة الياس مر 1884. أنجز أيضاً فيلا بسّول 1935 في الرميل. أيلول سبتمبر 1975: صورة سنتر صالحة وصمدي 1969 في وسط بيروت. هندسة جوزف فيليب كرم 1923. أنجز أيضاً مجمع أكوامارينا 1971 شمال بيروت. تشرين الأول أكتوبر 1975: صورة ستاركو سنتر 1957 في وسط بيروت. هندسة السويسري جورج آدور 1920. أنجز أيضاً القصر الرئاسي 1965 في بعبدا. تشرين الثاني نوفمبر 1975: صورة معمل بيرة ألماسة 1933 في البوشرية شرق بيروت. هندسة أنطوان تابت 1907- 1964. أنجز أيضاً بالتعاون مع الفرنسيين الثلاثة جاك بواريه وجورج بورديه وأندريه لوت أوتيل سان جورج 1932. كانون الأول ديسمبر 1975: صورة بنسيون بياتريس 1937 في ساحة الشهداء. هندسة اليوناني نيكوس غريغوريوس 1882- 1938. أنجز أيضاً أوتيل لوكس 1934 في شارع اللنبي.