تحت عنوان"الشركات الأجنبية خذلت الجهات الحكومية رغم امتيازاتها الكبيرة"، نشرت جريدة"الرياض"السعودية أول من أمس خبراً، ينبغي ألا يمر مرور الكرام. وفي التفاصيل ان وزارة التربية والتعليم هددت بسحب مشروع بناء 200 مدرسة بمبلغ ملياري ريال، من شركة صينية. الخبر قال هددت، ولم يقل سحبت. العقد وُقِّع قبل سنتين ولم ينفذ منه سوى 31 في المئة، رغم انتهاء مدة المشروع. المقاول الصيني لم يؤمّن سوى 24 عاملاً لبناء هذا العدد الضخم من المدارس، وهو حصل على تسهيلات من"هيئة الاستثمار"تمثلت في"الاستثناء من نظام تصنيف المقاولين وإعفاء المعدات من رسوم الجمارك عند دخولها أو إعادة تصديرها، ومنحه تأشيرات بسهولة"، إضافة الى خدمات إجرائية، جعلته مميزاً عن المقاول السعودي. بيت القصيد في هذا الخبر هو عدد العمال. كيف يخطر على البال ان مشروعاً بهذا الحجم يمكن تنفيذه ب24 عاملاً؟ القضية لا علاقة لها بالسحر الصيني، ما حصل هو ان المقاول الصيني يحصل على العقد بصفته مستثمراً عالمياً، ثم يتاجر بالتأشيرات التي حصل عليها، ويرسي تلك المدارس بأسعار رخيصة على عمال أجانب، اصبحوا مستثمرين في مجال المقاولات بفضل تفريط"الهيئة العامة للاستثمار"التي باتت تمنح السبّاك والكهربائي والنجار، رخصة استثمار مقابل مبلغ زهيد يثير السخرية. والنتيجة ان الاستثمار الأجنبي في المقاولات، تحوّل الى لعبة لخطف مشاريع الدولة من صغار المقاولين السعوديين، وتحويل الاستثمار الأجنبي الى وسيلة للتستر، والعبث بمشاريع البلد. المقاول السعودي بحّ صوته وهو يطالب بمساواته بالمقاولين الأجانب في الإجراءات وقضايا"السعودة"ومنح التأشيرات، والتوقف عن ترسية مشاريع الحكومة المتفرقة التي تصل قيمتها الى بلايين الريالات بمنافسة واحدة، وترسيتها على مقاول أجنبي، بحكم انها مشروع كبير، ثم يقوم هذا الأجنبي بتفتيت المشروع على أجانب مغامرين حصلوا على رخص استثمار، رغم انهم تجار شنطة. قضية المقاول الصيني ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة، طالما استمر الصمت عن طبيعة عمل هيئة الاستثمار، وتركها تدعم شركات غير مؤهلة في مجال المقاولات وغيرها. مشاريع الدولة في المقاولات تحسب بمئات المليارات، وهي يمكن ان تساهم في صناعة قطاع المقاولات في البلد. لكن هذا الهدف العظيم لن يتحقق طالما استمرت هيئة الاستثمار تمارس دورها الراهن من دون رقابة ومساءلة رسمية وعلنية.