يعاني قطاع النقل في البلدان العربية من نواقص كثيرة ومن سوء أداء فادح. وهذا يعود، بالدرجة الأولى، إلى عدم كفاية قدرات المؤسسات العامة على تطوير الاستراتيجيات اللازمة للتدخّل بشكل مناسب وتخصيص الاستثمارات بشكل فاعل وتحسين القدرات التنظيمية. ونتيجة لذلك، لم تتحقِّق لقطاع النقل، في الغالب، القدرات اللازمة لتوفير خدمات مواصلات موثوقة ومأمونة ومعتدلة الكلفة. وعلى رغم ارتفاع الطلب على خدمات المواصلات في البلدان العربية، لا تزال شبكات النقل العام غير متطوّرة وتدفع الناس إلى الاعتماد على السيارات الخاصة. فقد لوحظ مثلاً أنّ زيادة أعداد السيارات راوحت بين 7 و10 في المئة سنوياً في الأردن، وهذا الوضع شبيه بما يحدث في الدول العربية الأخرى. وعلى رغم توظيف الاستثمارات في شبكات الطرق وبناها التحتية في العقود القليلة الأخيرة، فإن أداء هذا القطاع يظل ضعيفاً نتيجةً للازدحام الشديد في المراكز الحضرية وتدنّي جودة الهواء في العديد من المدن وتدهور الأراضي وارتفاع معدلات انبعاثات الغازات المسبّبة للاحتباس الحراري. ولعل أسباب التمدّد العمراني في المدن العربية وطول مسافات الانتقال وزيادة استخدام السيارات تعود إلى النموّ غير المنظّم وضعف التخطيط. فقد نجم عن إنشاء المزيد من الطرق السريعة نقص مساحات الأراضي الزراعية حول المراكز الحضرية مثل عمّان والقاهرة. وتعاني شبكات النقل الإقليمية من عدم الكفاءة والتأخيرات. وتبلغ الوفيات والإصابات في حوادث السير على الطرق في عدد من الدول العربية نسباً عالية بالمقارنة بمناطق أخرى من العالم، وذلك ما يسبّب المعاناة وفقدان المداخيل وارتفاع تكاليف الرعاية الصحية. وهذه جميعاً تُترجَم خسائر اقتصادية. وقطاع النقل العربي مستهلك كبير للطاقة عديم الكفاءة، وهو مسؤول عن 32 في المئة من إجمالي استهلاك الطاقة و22 في المئة من مجمل انبعاثات الغازات المسبّبة للاحتباس الحراري في البلدان العربية. كما أن رداءة نوعية الوقود وكثرة السيارات القديمة عاملان يساهمان، إلى حدّ بعيد، في تدنّي جودة الهواء في أجواء عدد من المدن العربية. وتُعتبر انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وتلوث الهواء من أخطر تداعيات سياسات النقل الحالية وأوضاع البنية التحتية. فمثلاً، بلغ متوسط إجمالي تكاليف أضرار تلوث الهواء عام 2006 في الأردن 161 مليون دولار أو 1,15 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وبلغت تقديرات تكاليف الرعاية الصحية بسبب تلوث الهواء وهو ليس ناجماً عن وسائل المواصلات وحدها 10,9 بليون دولار في العام 2008 في 16 دولة عربية، وذلك يوازي 1,2 في المئة من مجموع الناتج المحلّي الإجمالي فيها. هذه الأنماط في قطاع النقل في الدول العربية تعوق أي محاولة لخلق وظائف جديدة وتعزيز التنمية الريفية الاجتماعية - السياسية وتطوير التكامل الإقليمي. فالمدن العربية تكاد تختنق من جراء ازدحام المرور ورداءة نوعية الهواء والتلوّث الضوضائي وضعف الرؤية، وكل ذلك لا يبشّر بالخير بالنسبة لرفاه سكان تلك المدن أو قدراتها التنافسية الاقتصادية. ويحرم غياب النقل العام الجماعي الملائم في العديد من المدن العربية كثيراً من المجتمعات من الوصول إلى المراكز الاقتصادية والخدمات الاجتماعية. ويؤدي ذلك إلى خسائر فادحة في الإنتاجية الاقتصادية تراوح بين 3 و10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلد. ويزيد غياب النقل العام الجماعي الملائم من تفاقم التفاوت الاجتماعي والتهميش. يشار إلى أن تدخّلات السياسات الحكومية المؤثرة في تخطيط وتمويل النقل وأنظمته وتكنولوجيات السيارات يمكن أن تشكّل الأساس الضروري لدفع التغيير نحو قطاع نقل مستدام أو أخضر. وينبغي أن يكون هدف هذه السياسات توفير خدمات نقل موثوقة ومأمونة ومتدنية الكلفة، على أن تكون كفوءة في استهلاك الطاقة، وفي الوقت نفسه تخفيض التلوث والازدحام والتمدّد العمراني العشوائي. ومن التدابير التي ثبتَ تدني كلفتها نسبيّاً، مع وفرة فوائدها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية خلال فترة قصيرة، الاستثمار في النقل العام الجماعي وفرض معايير اقتصاد استهلاك الوقود للسيارات. فالمنهجية الخضراء في تخطيط النقل والمواصلات سوف تحدّ من توريد السيارات وإنشاء الطرق السريعة لتلبية الطلب المتنامي، وستحوّل التركيز، بدلاً من ذلك، إلى إدارة الطلب على المواصلات بتعزيز النقل العام ووضع حوافز لزيادة نسبة إشغال السيارات وتخفيض المسافات التي تقطعها. ولا بد من التذكير بأنّ التدابير والإجراءات التي تؤثر على أنماط الانتقال وتقلّل الاعتماد على السيارات الخاصة هي أجدى وأبعد أثراً من الاستثمارات التي تُصرف على إنشاء الطرقات وتمديد الطرق السريعة، وهذه في الغالب معالجات موقتة. لذا ينبغي تطوير قدرات مؤسسات النقل العام وأدائها تمهيداً لاعتماد استراتيجيات المعالجات الصحيحة. ويجب توجيه الموارد المالية نحو توسيع شبكات النقل العام وغير ذلك من ممارسات إدارة الطلب، وتحسين سبل الوصول إلى المناطق الريفية والجماعات المهمّشة، واستخدام تقنيات النقل الأخضر. ومن الضروري جداً توظيف الأموال في النقل العام، سواء كان في شبكة مترو الأنفاق، أو المترو السطحي، أو القطارات، أو الحافلات، أو شبكات النقل في المجاري المائية. وستنجم عن ذلك وفورات مالية كبرى في الموازنات العامة، إلى جانب المساهمة في التطور الاجتماعي - الاقتصادي وتخفيض انبعاثات الغازات المسبّبة للاحتباس الحراري وتحسين نوعية الهواء. إذا ما تمّ تحقيق هدف مُزمَع بتخضير قطاع النقل بنسبة 50 في المئة، نتيجةً لرفع كفاءة الطاقة وزيادة استخدام النقل العام والسيارات الهجينة هايبريد، فيمكن توفير 280 بليون كيلوواط ساعة سنوياً أي ما قيمته 23 بليون دولار. ومن الممكن تحقيق كفاءة الطاقة في النقل بالسكك الحديد بنسبة تصل إلى 40 في المئة. كذلك يمكن بحلول عام 2015 تحقيق تحسن بنسبة 20 في المئة في معايير كفاءة استهلاك الطائرات للوقود أكثر مما كانت عام 1997، وبنسبة تصل إلى 50 في المئة عام 2050. ويقدّر أنّ تحويل 25 في المئة من جميع الرحلات الجوية الأقصر من مسافة 750 كيلومتراً إلى خطوط السكك الحديد السريعة عام 2050، يمكن أن يؤدي إلى تخفيض نحو 0,5 بليون طن من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون سنوياً. وإذا ما تحوّل 25 في المئة من جميع الشحن على الطرقات لمسافات تزيد على 500 كيلومتر إلى السكك الحديد، فيمكن تجنب 0,4 بليون طن من ثاني أوكسيد الكربون سنوياً. وإن انخفاضاً بنسبة 50 في المئة في انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون المرتبطة بقطاع النقل في البلدان العربية يخفّض خسائر الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1,5 5 في المئة. وإذا ما اعتمدت النسبة المتوسطة البالغة 3,25 في المئة، فالحاصل هو توفير سنوي بمقدار 61,8 بليون دولار على أساس مستويات الناتج المحلي الإجمالي في البلدان العربية عام 2010. * ينشر بالتزامن مع مجلة"البيئة والتنمية"عدد تشرين الثاني نوفمبر 2011.