رحل عن دنيانا، إلا أنه لم ولن يرحل عن ذاكرتنا، إنه الأكاديمي والشاعر والأديب والديبلوماسي والوزير والإنسان غازي القصيبي الذي ننعى وفاته ببالغ الحزن والأسى. عرفته قويّ الشكيمة، طويل الباع، لا يحيد عن هدفه، واضح الحجة، منطقي التفكير. مر الرجل على مدار حياته بالكثير من التجارب الحياتية التي لم تزده إلا شجاعة وثباتاً، إذ أحدث معظم مؤلفاته الأدبية ضجة كبرى عند طبعها، ومُنع كثير منها من التداول في بلده، وهاجمه ضيقو التفكير والمتسلطون الذين نصبوا أنفسهم قضاة على الفكر والإبداع. تميز الراحل في المواقع كافة التي تولاها، تعاونّا سوياً حينما كان وزيراً للصناعة من خلال عملي في البنك الدولي فكانت ثمرة هذا التعاون الكثير من المشاريع التنموية، كما أنه ذو شخصية متعددة المواهب، وهو ما يظهر جلياً في تنوع المواقع التي شغلها. كانت بيننا منافسة على منصب مدير ال"يونيسكو"على رغم كونها معركة انتخابية إلا أنها لم تمس صداقتنا الوطيدة بل تقابلنا بعدها في لندن في جلسة مطولة كانت صريحة إلى أبعد حد. أكدت هذه الجلسة مدى ما يجمعنا سوياً من الحرص على الثقافة المعاصرة الحيوية التي تعطي العرب الكثير. إنني إذ أنعى هذا الرجل المستنير، أؤكد أن إرثه سيظل باقياً في وجدان هذه الأمة وعقلها.