أول ما تطالعنا به قصيدة"عاد الشتاء ردي لي معطفي"تجلي القدرة الشعرية على وقع ايقاعات موسيقية تتداخل حيناً وتتباعد حيناً آخر، في أجواء تنتقل فيها القصيدة من التركيب الى التفكيك على مستوى الجملة الشعرية العفوية في سياق الانسياب الشعري، الذي يرتفع بالقصيدة الى مراتب قصيدة النثر، حيث تستعير الماضي ترسيخاً للحاضر، وحيث يكون المعنى الافتراضي مبنياً على الواقع. والقصيدة أيضاً، تتمتع بتواتر شعري يصل الينا عبر صور تزدحم تحت سطح الجملة الشعرية في انزياح جميل للمفردات عن دلالاتها وتأويلاتها، وسط ارتفاع لوتيرة اليقين والسيولة اللغوية في ظل البحث عن الجمال والحب والحقيقة والحياة/ الشتاء - عواصف - كرات ثلجية/ في اشارة الى التجدد استناداً الى غزارة في المعاني الشعرية ودفق الانسيابية التعبيرية. ويستخدم الشاعر الأمير طلال بن سلطان في هذه القصيدة مفردات بالغة الأهمية بالنسبة الى هذا النوع الشعري الجديد، أي"القصيدة الصوتية"في نظامها الجمالي والتعبيري، كما يلفت الإيقاع والإيقاع الداخلي الذي يستند الى الفرضيات الموسيقية المحمولة على خصوصية نصية متميزة، منها حضور الجملة الفعلية بقوة، وإيقاع التناقض الأسلوبي والعفوية التي تأتي الينا عبر لغة الصوت والتسميات. وقصيدة"عاد الشتاء"تبتعد عن البحور الشعرية التقليدية"بحور الخليل"، ولكنها تزهد بالمعنى وتصر على المباشرة، وتكرس النظام الشعري الحر، الذي يؤطر أيضاً"القصيدة الصوتية"، خصوصاً أن هناك منطقاً داخلياً هو الذي يحكم جسد هذه القصيدة، معتمداً على التناظر والتتابع السببي والخصائص السردية. وهي قصيدة دلالية حيث يستبدل الشاعر الأمير المعنى بالإيحاء، إذ لا جزء فيها يغني عن الآخر، اضافة الى انها قصيدة لا تعلن عن نفسها بل تترك للسامع"أو القارئ"حرية اكتشاف منطقها الداخلي الخاص الذي يقوم على الإيقاع والموسيقى الخارجية... وهي أيضاً قصيدة اشراقية تحكمها الدلالات الزمنية الآتية من الحلم والطبيعة والمرأة/ دنوت لأراك من شرفتها كم أنت بعيدة/ فضلاً عن أنها ترقى الى قدسية الإنشاد متمثلاً بالنزوع الدرامي الذي يمثل حنيناً لمخاطبة الآخر، وسط تضمينات جمالية تلتقي وتفترق لتشكل عبر هذا التضاد"صراع - قمة - حرارة - كرات الثلج - تصهريني/ أهزوجة للوداع والشوق في آن معاً. وتبدو الكثير من مفردات القصيدة الداخلية قابلة للقراءة من دون حركات حيث سكون كامل في بحر من الحياة الصاخبة، وبهذا فهي تلامس - من بعض الوجوه - قصائد الشعر العامي، شعر القصيدة المحكية والدارجة الذي يسمى ب"الشعر النبطي"، وهي الى ذلك تمتاز بحرية تعبيرية غير مسبوقة تختزن الكثير من الرموز والشفافية، وتمتزج فيها الواقعية القصدية بالرمزية المعبرة، محمولة على فرائد سوريالية ملونة بألوان الطبيعة، وبعيدة كل البعد من العبثية: عبثية المعنى وعبثية التناص. يبقى أن الشاعر الأمير جعل - عبر تحولات الكتابة والصوت - القصيدة تغوص في جدل الاتصال والانفصال لترتقي بذلك الى التوازن اللفظي بين الفعل والاسم وبين الجملة والأخرى وبين المعنى والمبنى في ظل ازدراء ثابت للحماسة البلاغية التقليدية واللغة الخطابية الساذجة. بيير عازار