انتقد شعراء مسابقة «شاعر شباب جدة» التي أعلن نادي جدة الأدبي أخيراً نسختها الأولى بسبب اعتمادها على آلية غامضة لتصفية المتسابقين، وتغليبها طريقة التباري بالقصائد ونظم الأبيات كمعيارين لتحديد الفائز على حساب الحس الجمالي للغة الشعرية. وجاءت الآراء متقاربة في رؤيتها متباينة في مستوى حدتها، فمنهم من قال ل«الحياة» إن المسابقة تمثل عودة إلى السلفية والرجعية الشعرية، وإهداراً واضحاً لقيمة حقيقة الشعر وتكريساً للنظم كقيمة شعرية عليا، وأنها في نهاية المطاف لن تسلط الضوء على مبدع حقيقي. ومنهم من اعتبرها في أحسن الأحوال تدريباً مهارياً للمتسابقين من المحتمل أن يفيدهم كتشجيع أولي في بداية تجربتهم، لكنها - في رأيهم - لن تسهم في إثراء المشهد الشعري في المملكة. ولفت الدكتور يوسف العارف إلى أن آلية المسابقة تدل على توجهات اللجنة التي وضعت وصممت هذه المواصفات والآليات وموافقة الزملاء في قيادة النادي الأدبي. وأوضح أنها تدل «على الذهنية التقليدية لمفهوم الشعر وأنه نظم وصنعة، وهذا يعني أن «الشاعر المستهدف هو الذي يستطيع أن ينظم أبياتاً ثنائية/ ثلاثية، في وقت محدد 3 دقائق/ 5 دقائق، كما نصت عليه لائحة المسابقة، وألا تتجاوز القصيدة 20-50 بيتاً شعرياً. وهنا أقول إن ذلك عودة إلى الفهم المدرسي المتوارث عن الشعر والشعرية، كنت أتمنى ألا تكون من مؤسسة ثقافية أدبية، مثل نادي جدة الأدبي والقائمين عليه. أعتقد بأن مسابقة شعرية بحسب الشروط والآليات الإجرائية الواردة في النشرة التعريفية لن تصل بنا وبشبابنا وبالشعر إلى تحقيق الهدف الرئيس للمسابقة وهو تحريك عملية الإبداع، واكتشاف الطاقات الشعرية الإبداعية وبناء الطاقات في مجال الشعر الفصيح». وذكر العارف أن الهدف هنا «كبير ورؤية استشرافية بعيدة المدى لا تحققها كل الآليات والشروط التقليدية/ القديمة/ المتواضعة، ويمكن أن يتحول الهدف إلى التعرف على ذوي القدرات اللغوية في نظم القصائد الشعرية. وهنا سيكون النادي والقائمين عليه واللجنة المنظمة للمسابقة شركاء في الرجعية الشعرية - إذا صح التعبير -. ومن خلال اللائحة التعريفية يبدو التركيز على الشعر العمودي والتأكيد عليه في كل مراحل المسابقة، مع إشارات بسيطة إلى قصيدة التفعيلة من دون أية تفاصيل أو تعريف لهذا المجال الشعري الحديث المعاصر وفي هذا عودة «إلى السلفية الشعرية التقليدية». وتمنى العارف أن تكون المسابقة «إسهاماً في دعم الإبداع والتجديد، تطلعاً إلى الأفق الإبداعي، وأعني به ذلك الأفق الشعري الذي يهتم باللغة الشعرية وجمالياتها الأسلوبية، والحس الجمالي». في حين يجد الشاعر حسن السبع صعوبة في الحكم على تجربة ما في نسختها الأولى أو قبل اكتمالها. ففي ذلك، كما عبر، استباق للنتائج «وعلى هذا الأساس يمكن تقويم مسابقة نادي جدة الأدبي الثقافي ورصد ما لها وما عليها في شكل موضوعي بعد أن تنجز. لكن ملاحظة «الحياة» والتي تتعلق بالآلية التي قد تغلّب النظم على حساب جماليات اللغة الشعرية، هي ملاحظة في محلها، وقابلة للنقاش. لكني سأفترض أن من بين قصائد المتسابقين ما يجمع بين التزام الوزن والقافية وجمال الإبداع الشعري. وفي هذه الحال يمكن النظر إلى المسابقة من زاوية أخرى. صحيح أن الشعر ليس وزناً وقافية فحسب، وأن الوزن والقافية ليسا معياراً لشعرية النص، وأن في بعض النثر شعرية لا توجد في بعض النصوص الموزونة والمقفاة، غير أن هذا لا يقلل من قيمة الوزن والقافية إذا استطاع النص الموزون والمقفى أن يحقق وحدة عضوية بين شكله ومضمونه، وأن يعيد صياغة الأشياء في سياقات جديدة، وأن يحافظ على عفويته وتلقائيته، وإذا استطاع الشاعر أن يوفق بين الشكل والمضمون، فلا يطغى أحدهما على الآخر في شكل مخل»، مشيراً إلى «أننا ما زلنا بحاجة إلى خطوات أخرى على طريق التجريب لاكتشاف المزيد من إمكانات ومعطيات موسيقى الشعر العربي من خلال قصيدة الشطرين العمودية وقصيدة التفعيلة، لذلك يمكن النظر إلى هذه المسابقة من جانب آخر له علاقة بمهارات النظم والتدريب على موسيقى الشعر، خصوصاً وأنها موجهة إلى شعراء شباب بحاجة إلى امتلاك تلك المهارات. وكما أن الفنان التشكيلي على سبيل المثال بحاجة إلى امتلاك مبادئ الرسم وأدواته الأساسية قبل أن يتمرد على تلك الأدوات أو يتجاوزها. فإن الشيء نفسه يمكن أن يقال عن الشاعر. ختاماً، ينقل عن إميل سيوران قوله: «ما من طريق إلى الفشل أقصر من أن تقتحم الشعر من دون دعم من الموهبة»، لذلك فإن المسابقات في شكل عام لا تصنع شاعراً، وإنما تساعد في اكتشاف المواهب الشابة وتشجيعها». لن تثري المشهد الشعري ويعتقد الشاعر محمود شرقاوي أن التباري الشعري الذي «أخذ شكل مسابقة قد يكون نشاطاً جاذباً وملفتاً لمحبي اللغة ومختصيها واختباراً طريفاً لقدرة الشعراء على التحدث بالإيقاع الشعري والتحاور بالأوزان الخليلية»، لكن شرقاوي لا يظن أن المسابقة ستسهم في إثراء المشهد الشعري، وقال: «إن الشعر العربي تأثر بالحداثة وبالفلسفات الحديثة كما تأثر بها نتاج العقل البشري عامة، وظهرت له مدارس حديثة عمقت دلالاته ومغزاه وحررته من الرمز البسيط والتشبيه المباشر وانفتح على الشعر العالمي، فأصبح يطرق نوافذ ما وراء العقل ويتناول أزمات الإنسان وإشكالات الطبيعة بخيال أعمق وأفق أوسع للتأويل والتأمل، وأصبح يحافظ على جوهر المعنى والموسيقى أيضاً حتى في حال أنه ترجم إلى لغة أخرى»، مشيراً إلى أن ذلك «أدى إلى تطور مذهل أيضاً في الحال النقدية التي صحبته، هذا ما يثري المشهد الشعري والعقل في شكل عام وليس مباراة يربحها من يصطاد المفردة أولاً أو ينظم الوزن أسرع».