مجموعة مقالات كتبها الصحافي المصري ناصر عراق وجمعها في كتاب بعنوان"الأخضر والمعطوب"صدر حديثاً عن دار"أخبار اليوم"المصرية. مقالات أو نصوص متشعبة في هذه المجموعة، يحوطها أشخاص لهم حكاياتاهم وإيقاعات متفاوتة لقصصهم، مقالات متحرّرة من الكتابة الصحافية المتكلفة، يجمعها سياق واحد على رغم تعدّد موضوعاتها، وهي توفر مدخلاً لإعادة الصلة مع أحداث وقضايا في الثقافة والسياسة والشعر والفنّ والمجتمع، ويربط بينها نوع من الحياكة السردية يتفرد بها الكاتب، لجهة الأسلوب المشذّب وقدرة النصّ على لفت الانتباه والسخرية التي تتوارى خلفها مقالات عدة. يدعونا عراق لقراءة مختارات من مقالات هي عبارة عن محطات وتواريخ مرّت، كتبها ونشرها في زاويته"الغد موعدنا"في مجلة"الصدى"الإماراتية منذ العام 1999، وهو العام الذي شكّل يوماً فارقاً في حياة الكاتب كما يقول، عندما غادر للمرة الأولى القاهرة متوجهاً إلى دبي للعمل في المجلة المذكورة، الحديثة النشأة، حينذاك، وعنها انبثقت لاحقاً دورية"دبي الثقافية"عام 2005 التي يرأس تحريرها الكاتب سيف المري. لا تعوز عراق الموهبة والإلمام بأسرار الصنعة الصحافية، هو الذي حاز جائزة أفضل مقال في الصحافة الإماراتية عام 2004. وعندما قرّر نبش مقالاته لم تفته مجموعة عوامل أساسية لنجاح مشروعه، أهمها طريقة تناوله الفريدة للموضوعات وحسّ الدعابة لديه وهو تفوّق أحياناً على النصوص نفسها، إضافة إلى عنصر الإمتاع، والسرد الممهور بالتشويق. وقد انتقى من تلك المقالات ما له طابع الاستمرار وما تمليه الحياة الثقافية الراهنة. وخصّ الكاتب اللغة العربية وهمومها بفصل كامل تحت عنوان"بحار اللغة وأمواجها"، وأسهب في الحديث عن الفنّ كمتعة وجدانية أولاً إضافة إلى علاقة الفن بالأخلاق، معرجاً على هموم الثقافة والرقابة بمقالتين هما:"وليمة لقتل المثقفين"و"الرقابة والملوخية". كما تحدث عن نجيب محفوظ ومحمد عبدالوهاب وعبدالحليم حافظ وعن محمد الدرة وعن الصحافة والمثقفين... وكلها نصوص تضجّ بالحيوية وهي أقرب في واقع الحال إلى عوالم المسرح وأجوائه. الكتابة الصحافية عموماً هي من أكثر وسائل التعبير والتأثير، وتكمن أهمية هذا النوع من النصوص في كونها أكثر اتصالاً بالحياة اليومية للناس، تجمع نتاجات الكتّاب المبعثرة في زوايا المطبوعات الصحافية اليومية أو الأسبوعية، وتؤرخ للحظة الراهنة بأسلوب مكثّف لمرة واحدة وبتقنيات مختلفة عن تلك المستخدمة في الرواية أو القصة القصيرة أو غيرها من فنون الكتابة. ينقذ جمع المقالات نتاج الكتّاب من الاسترخاء في الأرشيفات النائمة، ويعيد طرح القضايا من جديد بعيداً من التأثيرات المباشرة التي رافقت حدوثها. وهذه المقالات تمتاز بالطابع"المغازيني"ولكن العميق لجهة التنوع في الموضوعات التي لا تحصر نفسها في لون أو اتجاه واحد. وإلى نجاحه في انتقاء النصوص الأفضل، ينجح عراق في اختيار العناوين أيضاً التي تشكّل نقطة جذب لقرائه على غرار:"الصحافي يموت مبكراً"،"الهمزة يا كتّاب العراق"،"تقول سكر أقول أكثر"،"من أحزان اللغة العربية"،"عذاب الكتابة وعذوبتها"،"الكتابة الفاسدة"،"الشعر خارج الخدمة"...