غيّب الموت أمس، غداة عيد الفطر السعيد الكاتب والصحافي السعودي الزميل عبدالله الجفري عن 69 عاماً، إثر صراع مرير مع المرض. وكان الراحل دأب على الكتابة حتى الأيام الأخيرة قبل أن يتمكن منه المرض ويسقط القلم من بين أصابعه. فالكتابة لم تكن"حرفته"الوحيدة في الحياة فقط بل كانت أيضاً بمثابة الهواء الذي يتنفسه والسلاح الذي يشهره في وجه أعداء الحياة. راجع ص 13 جمع عبدالله الجفري بين الأدب والصحافة على خير وجه، فكان أديباً وصحافياً في آن واحد، روائياً ومعلّقاً يدبّج المقالات يومياً من غير مللٍ أو تعب، وكانت مقالاته محطّ اهتمام القراء على اختلاف مواقعهم وهوياتهم، ينتقد فيها ما يجب نقده من أمور سلبية تثقل كاهل المواطن والمجتمع، ويسخر فيها أحياناً ولكن بدماثة أو لطافة ما كانت لتفارق أدبه. كان يكتب بفضول الصحافي الباحث والمنقب عن الهموم والشجون، وبرشاقة الأديب الذي يلمّ بأسرار الصنعة الفنية، وبوجدان الشاعر الذي كان يكمن في أعماق نفسه. ولئن كان الجفري مغزاراً في ما كتب من مقالات ونصوص وأعمال أدبية فهو عرف كيف يتحاشى أشراك السهولة والتكرار حتى غدا نصّه وليد تلك العفوية التي تخفي في عمقها الكثير من المراس والدُربة. وكان الجفري وقف حياته على الكتابة بعدما تبوأ مناصب عدة وتفرّغ كلياً لهذه المهنة، مهنة المتاعب الجميلة، صارفاً لها جلّ وقته وجهده. وبرحيل عبدالله الجفري تفقد الصحافة السعودية والعربية ركناً من أركانها وقلماً فريداً طالما تابعه القراء وأقبلوا على قراءته، بطرافته غير المعهودة وحنكته وأسلوبه الذي تميز به. وتفقد جريدة"الحياة"واحداً من كتّابها الذين رسخوا صورتها لا سيما عبر زاويته اليومية"نقطة حوار"التي دأب على كتابتها طوال أعوام، جاعلاً إياها في الحين نفسه منبراً للآخرين، كتّاباً وقراء على السواء. كان عبدالله الجفري صاحب قلب كبير. هذا ما تشي به مقالاته الكثيرة التي كتبها خلال مساره الطويل. منفتحاً على سائر التيارات والموجات وصديقاً وأخاً للقريب والداني، وكان يتلقى سيلاً من الرسائل يبعثها إليه قراء من بلدان عربية كثيرة. ومثلما كان نجم الصحافة السعودية كان نجم الصحافة العربية والمصرية خصوصاً. فمقالاته لم تغب عن"الأهرام"في طبعتها الدولية ولا عن مجلة"آخر ساعة"و"صباح الخير"وسواهما... كتب عبدالله الجفري في حقل الرواية والقصة والشعر والنقد والوجدانيات وكان أديباً في كل هذه الحقول، وبلغت كتبه نحو 29 كتاباً، وحصل على جوائز عدة خلال مساره الطويل. ومن كتبه التي راجت:"أيام معها"،"مئة خفقة قلب"،"حوار في الحزن الدافئ"،"المثقف العربي والحلم"،"وطن فوق الإرهاب". وبعد وفاة الشاعر نزار قباني وضع فيه كتاباً سمّاه"نزار قباني: آخر سيوف الأمويين".