أقام"بيت المدى"للثقافة والفنون، حفلة استذكارية للعلامة الراحل علي الوردي، شارك فيها مالك المطلبي وعلي المرهج وحسين سعدون وعبدالوهاب الحمادي، وأدار الاحتفالية الناقد علي حسن الفواز. قال الفواز في تقديمه للجلسة:"اليوم نستحضر قيمة عراقية أصيلة في الفكر الا وهو المفكر وعالم الاجتماع علي الوردي الذي شكل ويشكل ظاهرة متفردة لها طعم خاص ونكهة خاصة. تزامنت ولادة الوردي مع ولادة الدولة العراقية الحديثة، فكان داعية صلباً لإقامة أركان الدولة الحديثة على انقاض سلطات العشيرة والبداوة، وباستذكاره ترتسم أمامنا كل الإشكاليات المحورية التي مثلت انعطافات حادة في حياة العراقيين". وتحدث بعد ذلك الناقد والشاعر مالك المطلبي قائلاً:"ان ما كتبه علي الوردي من الناحية الفكرية يتمثل في كتابيه"وعاظ السلاطين"و"أسطورة الأدب الرفيع"والسياق العام الذي ينتظم جهد الوردي الفكري في هذين الكتابين يعتمد المعنى بوصفه استحالة واقعية ذات قيمة وفعل في حياة الناس، ونبذ القواعد اللغوية والأدبية التي اشتهر بها العرب قديماً وحديثاً. ولم يكن كتاب الوردي"أسطورة الأدب الرفيع"سوى سجال صحافي جريء بين الوردي وعبدالرزاق محي الدين الشاعر والمربي، وكانت موضوعة السجال تدور في شأن ماهية الشعر والأدب، وكان سجالاً مريراً وحاداً على رغم ذوقيهما العاليين والرائعين في طريقة الحوار. أما علي المرهج فتحدث عن التأثيرات الفلسفية في طروحات علي الوردي وقال:"كان الوردي متحمساً ومندفعاً مع طروحات ابن خلدون فيما كان يعد منطق أرسطو في المقدمات منطقاً سلطوياً متعلقاً بمفهوم الثبات اكثر منه تعلقاً بمفهوم التغيير. والوردي يلتصق بمطالبات الشرائح الأكثر فقراً والداعية الى التغيير، وذلك يصب في النهاية في المنطق الاشتراكي. كان الوردي اشتراكياً وإن لم يكن منظماً، وكان يوجه سهام نقده الى الفلسفة التأملية التي كانت تفرض تصوراتها على الواقع وعد معتنقيها من الفلاسفة الطوباويين". أحد طلبة الوردي وهو عبد الوهاب الحمادي نوه باهتمام الوردي بأحوال الفقراء الذين يقطنون الأحياء الخلفية للمدينة، وذكر كيف قاد طلبته في قسم الاجتماع مشياً على الأقدام لعبور سدة ناظم باشا."فإذا بنا أمام منظر لم نشاهده سابقاً: عشرات الآلاف من الأكواخ والصرائف تحيط بالعاصمة بغداد، وتظهر عليها علامات البؤس والفقر والمرض. دخلنا هذه الأكواخ المظلمة وبدأ الوردي يسأل سكانها عن الحالة المعيشية والاجتماعية، فتبين انهم يعيشون في حالة يرثى لها، فلا ماء ولا كهرباء. بعض الزميلات ذهلن لمشاهدتهن عالم الصرائف والأكواخ للمرة الأولى، حيث الأمراض الثلاثة الفقر والجهل والمرض، وغالبية الطالبات كن ينتمين الى الطبقات الأرستقراطية والى المجتمع المخملي البغدادي، ومنهن من قضت حياتها مع عائلتها الدبلوماسية خارج العراق ولم تشاهد كوخاً أو صريفة في أي بلد من بلدان العالم. وتكررت هذه الزيارات برفقة العلامة الوردي، وكان لها اثر كبير في كتاباته ومؤلفاته عن المجتمع. وكان للباحث متعب مناف رأيه في منهج الوردي إذ قال:"تحول علي الوردي في منهجه من علم الاجتماع الى التاريخ في كتابه "لمحات من تاريخ العراق الحديث". وأضاف مناف:"خلال عشرة آلاف سنة ما قبل التاريخ وما بعده كان هناك دائماً حاكم مستبد وكانت شعوبنا خاضعة لسلطته، لذا سيكون من الطبيعي ألا يكون وجود لدولة بالمعنى الحديث بل للسلطة فقط . لذا بات من الواجب ان يتكفل المثقف بحمل لواء التغيير وهو ما فعله الوردي حين رفع شعار: أنا احتج اذاً أنا موجود". نشر في العدد: 16903 ت.م: 15-07-2009 ص: 27 ط: الرياض