إذا ذكر علماء الاجتماع المعاصرون المهمون في المنطقة لن نتجاوز اسم الدكتور الراحل علي الوردي (1913 1995). امتد مشروعه ليكمل ما بدأه ابن خلدون، ولا غرابة أن تكون أطروحته الرئيسية حوله. الوردي أراد أن يمسك بتخوم المشكلات التي يعاني منها العرب على كل المستويات. أخذ منهجا خاصا به ومختلفا، ويمكن أن نقرأ أطروحة إبراهيم الحيدري عنه الذي أشبعه بالبحث والتحليل. ربما تميز علي الوردي في مشروعه العام والذي نثره في كتبه بخصائص كثيرة، لنقرأ كتبه: مهزلة العقل البشري، خوارق اللاشعور، وعاظ السلاطين، أسطورة الأدب الرفيع، لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث، شخصية الفرد العراقي، دراسة في طبيعة المجتمع العراقي، كلها تحاول أن تقبض على الخلل العربي، وفي تحليله للمجتمع العراقي إنما أخذه نموذجا لدراسة الفرد العربي، والمجتمع العربي كله. حين يقول الوردي: «إن الشعب العراقي منقسم على نفسه، وفيه من الصراع القبلي والقومي والطائفي أكثر من أي بلد آخر، وليس هناك من طريق سوى تطبيق الديمقراطية، وعلى العراقيين أن يعتبروا من تجاربهم الماضية، ولو فلتت هذه الفرصة من أيدينا لضاعت منا أمدا طويلا». فإن هذه العبارة تصح على كل البلدان العربية. ذلك الأمر حين قال في كتاب «شخصية الفرد العراقي» :»حماسة العراقيين كنار الحلفاء لا تكاد تلتهب حتى تخمد؛ تلتهب مع المثال وتخمد مع الواقع»، فإنه يسلط الضوء والمشرط على الجسد العربي كله! قبل أيام نظمت في الجامعة الأمريكية في بيروت ندوة عربية، دولية احتفاء واحتفالا بمئوية العلامة العراقي علي الوردي لمناقشة أفكاره، ومنهجه، وأطروحاته الاجتماعية حول طبيعة المجتمع، وشخصية الفرد العراقي، والخروج بأفكار جديدة ترتبط بما يمر به العراق والعالم العربي من أحداث. شارك في دراسة الوردي علماء ألمان، وكنديون، وآخرون من لبنانوالعراق. نستعيد الوردي لنعيد قراءته من الأساس، لنفهم الكوارث التي نعيشها على كافة المستويات، فهو قد قارب الوصول إلى الجراح النازفة من التطرف إلى الطائفية. كم كان عظيما هذا العالم الجليل.