في كثير من الأحيان، تؤول مشاريع إعادة تشجير الغابات إلى بروز مساحات خضر تشبه الحقول المزروعة بالأشجار، لكنها لا تؤدي الى استعادة الوضع الطبيعي للغابات. ويحاول أحد المشاريع الواعدة في مدينة"ساو باولو"البرازيلية تغيير هذه الصورة، وإعادة تأسيس الغابة وما تحتويه من نظم بيئية. يتجول بنديتو دي كرفالو فيلو في حديقته، عابراً زريبة مخصصة للأبقار. ويتجه صوب تلة. يتسلّق الصخور. ويتابع عملية البحث، مبعداً قطع الأسلاك الشائكة والنباتات المبعثرة هنا وهناك. وتصحبه حفيدته ذات ال12 سنة. وأخيراً، يتوقف هذا المزارع وينظر إلى ينبوعٍ على قاب قوسيْن او ادنى من الجفاف. لقد تغيّرت معالم أرضه، على غرار ما حدث للمراعي التي كانت تملأ قلب"غابة المطر"الأطلسية في البرازيل. إذ لم تساهم إزالة الأشجار المكثفة في تغيير واجهة الأراضي فقط، بل تسببت أيضاً في تغيير الدورة المائية، وقلبتها رأساً على عقب. نضوب المياه الجوفية في الماضي، كانت الغابة تمتد على مساحة مليون كيلومتر مربع من شواطئ الأطلسي إلى الداخل البرازيلي. وراهناً، لم يبقَ سوى 7 في المائة من هذه المساحة. وبات دي كرفالو وغيره من المزارعين، في مواجهة وقائع تحولت إلى مشكلة متنامية: اختفاء المياه الجوفية الغزيرة والعذبة التي استخدموها على مدى عقودٍ من الزمن. ويحتاج دي كرفالو إلى استرجاع الغابة الممطرة، كي يتمكن من ري مزروعاته وتزويد عائلته بالمياه. وربما يحالفه الحظ في ذلك قريباً. فوسط ضجةٍ إعلامية يستحيل تجاهلها، غرس بعض المزارعين والخبراء في علم الأحياء الشجيْرات الأولى في إطار مشروع واعد يهدف إلى إعادة تحريج مليون هكتار من الأراضي ضمن"غابة المطر"القريبة من ساو باولو، أكثر المناطق كثافةً سكانية في البرازيل. وإذ يهدف المشروع إلى إعادة خلق النظام البيئي الفريد من نوعه، فإنه يسعى أيضاً للمطالبة بما يُسمى ب"الخدمات"التي كانت تؤمنها"غابة المطر"، بدءاً من الحفاظ على الينابيع الطبيعية وخصوبة الأراضي ووصولاً إلى القضاء على الكربون وامتصاصه من الهواء. إنها خطوة مكلفة للغاية، إذ يتطلب"مشروع إعادة تأهيل الغابة الساحلية"المُموَّل من قبل الدولة و"مرفق البيئة العالمي"Global Environment Facility قرابة بليوني شتلة من مئات أنواع الأشجار. ومن المتوقع أن يستغرق إنجازه عشرات السنوات. وقد يرتفع إجمالي النفقات إلى بليوني دولار ما يساوي 2000 دولار للهكتار لمْ يُدفع منها سوى النزر اليسير لحد الآن. ويقول توماس لوفجوي، كبير المستشارين السابق في قسم"التنوع الحيوي"التابع ل"البنك الدولي":"مجرّد التفكير في مشروع تحريج واعد إلى هذا الحد، ينطوي على مجموعة كبيرة من الصعوبات". وبحسب علماء البيئة، حتى إذا تمكن"مشروع إعادة تأهيل الغابة الساحلية"من تحقيق بعض أهدافه السامية، فهذا لا ينفي فكرة انه سيمثّل اختباراً مستمراً لحدود مرونة الطبيعة وإمكانات علم إعادة التأهيل البيئي وقدرة المجتمع على الالتزام. أبعاد التنوّع البيئي ويركز"مشروع إعادة تأهيل الغابة الساحلية"على إعادة تأهيل"غابة المطر"التي تمتد أيضاً على ضفاف مجموعة من الأنهر القاحلة، حيث تحط الحيوانات المهاجرة. وتضم الغابة أيضاً ثروة بيئية ضخمة، وتحمي قنوات المياه الطبيعية. وثمة هدف مضمر في المشروع يتمثّل في إعادة إحياء جزء من الثروة النباتية والثروة الحيوانية المذهلة في المنطقة. وتضم هذه الثروة أنواعاً نباتية وحيوانية مثل البروميلياد والمعترشات والشجيرات والأعشاب والطيور والخفاشات والفراشات والحشرات والميكروبات والثدييات والبرمائيات. وراهناً، ينكب العلماء على دراسة الطريقة الأنسب لإنجاز المشروع الذي جاء في إطار مشاريع كبرى تتناول 5 تجمعات مائية في ساو باولو. وانطلقت هذه المشاريع بتمويل مبدئي مقداره 19 مليون دولار، قدمتها الدولة و"مرفق البيئة العالمي"و"البنك الدولي". القسم العلمي - بالتعاون مع مركز الترجمة في"دار الحياة"