اطلق الوزير الأول التونسي محمد الغنوشي فعاليات"القيروان عاصمة ثقافية إسلامية"في تونس مساء أمس، وتشمل أكثر من مئة فعالية بينها ستة مهرجانات متخصصة وأحد عشر معرضاً وأربع عشرة ندوة ثقافية وفكرية وأربع ورش تدريبية. واستعداداً لهذه المناسبة أدخلت تحسينات على كثير من أحياء المدينة التي ظلت عاصمة للبلد طيلة أكثر من قرن في أعقاب الفتح العربي لتونس، قبل أن تنتقل العاصمة إلى مدينة المهدية ومن ثم إلى تونس. وتُعتبر القيروانالمدينة المقدسة الرابعة في العالم الإسلامي، وكانت منظمة"يونيسكو"صنفتها في لائحة التراث العالمي اعتباراً من عام 1988. وهي رابع مدينة بناها المسلمون بعد الكوفة والبصرة والفسطاط. وتشكل القيروان متحفاً كبيراً ما زال محافظاً على معالمه منذ العصر الإسلامي الأول، وبينها جامع عقبة بن نافع قائد الفتح الذي أسس المدينة في عام 50 هجرية 670 ميلادية وجامع الأبواب الثلاثة أو مسجد ابن خيرون الذي لم تتغير ملامحه منذ أربعة عشر قرناً، ومدفن الصحابي أبي زمعة البلوي والبرك الأغلبية، وهي نظام مائي متطور كان يؤمن حاجات المدينة من خلال تجميع المياه في خزانات كبيرة مبنية بالحجر والطوب ما زالت ماثلة على شكلها القديم حتى اليوم. وباتت القيروان سريعاً مركزاً للحكم العربي ومنطلقاً للفتوحات الكبرى في غرب البحر المتوسط. من هنا انطلق عقبة لفتح الجزائر واستُشهد في مدينة مسيلة الجزائرية حيث دُفن. ومنها انطلق الفاتحون إلى الأندلس بقيادة طارق بن زياد الذي عبر بجيوشه المضيق بين أفريقيا وأوروبا، ليقيم دولة إسلامية استمرت قرابة ثمانية قرون. ومنها انطلق أيضاً فتح صقلية بقيادة أسد بن فرات قاضي القيروان الذي استُشهد على سواحل الجزيرة، لكن الحكم العربي استمر بعده طيلة ثلاثة قرون. وعرفت القيروان أوج ازدهارها في عهد الأغالبة الذين استقلوا عن مركز الخلافة في بغداد وأقاموا دولتهم التي حكمت شمال أفريقيا انطلاقاً من القيروان بين عامي 180 و289 هجرية. واهتم الأمراء الأغالبة بالجامع الكبير فرممه زيادة الله الأول ووسعه، واستُكملت تلك التوسعة في عهد أبو ابراهيم أحمد. وظل جامع عقبة إلى اليوم أكبر معلم إسلامي في المغرب العربي وهو تُحفة معمارية عالمية، إذ يرتفع على خمسمئة عمود من المرمر والرخام النادر ذي اللون الأخضر أو الأحمر أو الأصفر. وأعيد بناؤه في ثلاث مناسبات الأولى في عهد حسان بن النعمان بعد ثلاثين سنة من إنشائه، والثانية في عهد بشر بن صفوان بعد ثلاثة عقود أخرى، والثالثة في عهد يزيد بن حاتم بعد مرور قرن على تأسيسه. وكانت فعاليات ندوة"دور القيروان في تأصيل المذهب المالكي ونشره"افتتحت قبل انطلاق المهرجان بيومين، بمشاركة باحثين من الجزائر والمغرب وتونس، الى جانب معرض"القيروان العتيقة"الذي يضم ثلاثين لوحة للرسامين القيروانيين محمد العياري وعبد المجيد بن مسعود. إلا أن المعرض لم يشمل لوحات فنانين عالميين زاروا القيروان وهاموا بها وأشهرهم بول كلي الذي أقام فيها في القرن الماضي وخلدها في لوحات معروفة. وتشمل فعاليات"القيروان عاصمة ثقافية إسلامية"مهرجاناً للإنشاد يستمر أربعة أيام بمشاركة فرق إنشاد من تركيا والمغرب ومصر وتونس وإيران. وأفيد أن المهرجان سيتزامن سنوياً مع الاحتفال بذكرى المولد النبوي. ويُقام في القيروان الشهر المقبل مهرجانها السنوي"ربيع الفنون"الذي يستضيف في دورة هذا العام ممثلين ومخرجين بارزين وشعراء من بلدان عربية عدة ورسامين ونقاداً. أما حفلة الافتتاح الرسمية التي تقام اليوم، فخصصت لعرض"القيروان الخالدة"الذي يستمر 55 دقيقة، وهو عمل شعري وموسيقي كتب نصه الشاعر علي اللواتي ووضع موسيقاه مدير مركز الموسيقى العربية والمتوسطية في تونس مراد الصقلي واعتمد فيه على مزاوجة فريدة بين الصوت والضوء على جدران مئذنة جامع عقبة. ويركز العرض الذي سيقام في باحة الجامع الكبير على أسطورة تأسيس القيروان والمراحل التي تعاقبت عليها، لكن انطلاقاً من وقائع ثابتة وموثّقة. وإضافة إلى المقدمة والفصل الأخير، هناك لوحات عن قيروان الشعر وقيروان العلوم والمعارف وقيروان التاريخ والقيروان الروحية وطبعاً قيروان الحاضر والمستقبل. وقال الصقلي، الذي سبق أن أعد أعمالا كبيرة، بخاصة لدى افتتاح إحدى دورات مهرجان قرطاج الموسيقي السنوي، ل"الحياة"إن العرض يشكل عملا يرتدي أهمية خاصة في مسيرته كونه يتصل بالأعمال السابقة لكنه يثريها ببعد ثقافي وحضاري تعلم منه الكثير من خلال مطالعة كتب عدة لدرس تاريخ مدينة تعتبر رمزاً لجميع التونسيين والمغاربيين. واعتمد الصقلي على السينمائي الياس بكار لإخراج هذا العمل، كما استعان بفنيين من تونس والخارج. نشر في العدد: 16775 ت.م: 09-03-2009 ص: 35 ط: الرياض