قبل نهاية القرن المنصرم عندما سقط الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية وظهرت تحولات ديموقراطية في عدة دول في أفريقيا وأميركا اللاتينية، ومع بداية هذا القرن مع ظهور الحديث عن المجتمع المدني والإصلاح ومحاربة الفساد استبشرت الجماهير خيرا، لكن مع دخول القوات الأميركية الى العراق واحتلاله نجحت الدعاية الديكتاتورية العربية في تحويل الأنظار باتجاه عدو خارجي تماما كما يفعل الغرب نفسه، مع فارق أن الغرب لا يقمع شعوبه. وجند الكثيرون أنفسهم لهذا الاتجاه على حساب تراجع المجتمع المدني وتراجع الإصلاح ومحاربة الفساد. وهكذا دارت دورة الزمان للرجوع الى بؤرة ومركز القمع والاستبداد بمباركة غربية بامتياز. فالأنظمة تجند الجماهير شعاريا ضد الغرب وفي نفس الوقت تتنازل له عن موارد هذا الشعب وثرواته وطاقاته للحصول على رضاه والحفاظ على أنظمة الحكم مستقرة لا تهزها ريح الغرب أو زلزال. إنها مفارقة قد لا ينتبه إليها الكثيرون أو قد لا يثيرونها. إن من المستغرب حقا أن يكون الفكر العربي والمثقفين العرب بهذه البساطة وبهذه الهشاشة التي تجعلهم أمام هزات خفيفة جدا يتقهقرون إلى الماضي ويتوقفون عن الحديث عن قضايا مهمة ومصيرية وحساسة. فالديموقراطية والإصلاح مطالب جماهيرية حقة لا غبار عليها، والجماهير بعد حقبة من الشعارات الايديولوجية الطنانة الرنانة بتحرير فلسطين والتنمية والانتصار دفعت ضريبة كبيرة جدا من حياتها ومستقبلها ومستقبل أبنائها وأحفادها. والتساؤل المرير هو: إذا كانت الأنظمة تمارس القمع فهل من المنطقي أن يسكت المثقف؟، ثم لماذا تغيب لدى المثقف العربي استرتيجية مشتركة بضرورة الدخول في عملية التغيير دون تراجع؟ لقد انتهى كل الحديث السابق عن المجتمع المدني والإصلاح ومحاربة الفساد، حتى في مستوى الاعلام والدعاية الإعلامية. وليس هناك من يثير الأمر ثانية ويستفسر عن سبب هذا التراجع حتى على المستوى الدعائي الصرف! فماذا ينتظر الشعب العربي ومنه المثقف العربي؟ هل ستتصدق عليهما الأنظمة العربية بالديموقراطية وجنات الخلد؟ وهل العالم العربي عصي على التحول الديموقراطي؟ * كاتب سوري.