القول ان مصر ليست في طريقها الى الديموقراطية يثير بالطبع السؤال عن سبب قدرة نظامها السياسي على مقاومة التغيير. لاحظنا سابقاً عدم وجود مراكز قوى مستقلة عن النظام وقادرة على التنافس في ما بينها ومع النظام على وجه الخصوص. والبديهي ان تفسير استمرار الحكم التسلطي يعني تفسير الافتقار الى مراكز للقوى كهذه، أي توضيح أسباب عدم نشوئها أو مقدرتها على ترسيخ وجودها. كما يعني شرح كيفية تمكن النظام، من خلال الدولة التي ورثها واعاد بناءها وانتاجها، من التوصل الى موقع مسيطر كهذا في مقابل العناصر الأخرى في المعادلة، وليس فقط السيطرة من خلال الأجهزة الأمنية والعسكرية بل أيضا، ورغم انتشار البث الفضائي، على الاعلام والعقول والمجتمع المدني والاقتصاد. الجواب في جزء منه يقع في دور الدولة في هيمنتها على الاقتصاد منذ الاصلاح الزراعي والتأميمات التي قام بها عبد الناصر في الخمسينات والستينات. فقد فشل القطاع الخاص الذي عاد الى النمو منذ السبعينات في اضعاف موقع الدولة، وذلك بسبب تفتت الملكية في ذلك القطاع وطبيعة "رأسمالية المحسوبيات" السائدة، حيث بقي القطاع الخاص "شريكا أصغر" لنظام لا يخضع للمساءلة. اضافة الى ذلك فان تحرير الاقتصاد الذي يقوم به نظام تسلطي لا يؤدي بالطبع الى تحرر حقيقي بل مجرد اعادة صياغة القواعد والقيود، ولا يؤثر بالتالي في سيطرة الدولة على الاقتصاد. ولا يمكن للمجتمع المدني في وضع كهذا أن يستند على مصادر داخلية للدعم، فيما يصعب على وسائل الاعلام المستقلة تعبئة الموارد اللازمة لمواجهة التلفزيون والاذاعة الحكوميتين. الجزء الثاني من الجواب يكمن في الأساس العسكري للنظام، الذي يعززه دوما الخطر الخارجي، الحقيقي منه أو المزعوم. وتؤدي الوطنية العميقة لدى الشعب المصري الى القبول بالقيد السياسي الذي يشكله هذا الوضع. فالامبرالية لا تزال تتربص، واسرائيل تبقى موضعا للتوجس على رغم معاهدة السلام، والسودان والدول على مجرى النيل تهدد المورد المائي، والارهابيون الاسلاميون يتأهبون لتوجيه الضربات في انحاء الشرق الأوسط. رد الفعل الذي تولده تلك الأخطار هو أن على مصر أن تقوم بدورها كقوة اقليمية وان تحافظ على النظام في هذا الجزء الدائم الاضطراب من العالم. ونجحت الانظمة المتوالية في مصر في تبرير الاستمرار في دولة أمنية بكل ما يعنيه ذلك من قيود على الحريات. بل ان الدولة تبرر حتى دورها في الاقتصاد وتقييدها لحريته استنادا الى المتطلبات الأمنية. القسم الثالث من الجواب هو الدعم المادي والديبلوماسي الخارجي، وهو ما سنعود اليه بتفصيل أكثر لاحقا. فقد تسلمت مصر في عهدي السادات ومبارك مكافآت سخية من الولاياتالمتحدة وأوروبا على اعترافها باسرائيل ومكافحتها للاسلاميين. وكان المفترض ان تؤدي المساعدات الى ترسيخ الاستقرار وادامة العهدين الصديقين للغرب. كما دعمت الطموحات الاقليمية للحاكمين ومكّنتهم من اخماد صوت المنافسين المحليين. لكن المساعدات أيضا سمحت للنظام مرارا باغفال الاصلاح الاقتصادي الذي طالبت به مؤسسات بريتون وودز، ذلك الاصلاح الذي ربما كان سيضعف "رأسمالية المحسوبية" السائدة في مصر. آليات السيطرة والقمع التي ساهمت كل هذه العوامل في ترسيخها وادامتها كان يمكن ان تتأثر بالانقسامات الداخلية. فالدولة المصرية، مثل كل المنظمات الكبرى، تتكون من أجزاء كثيرة تتمثل بالدوائر الرسمية والتحالفات بين القطاعين العام والخاص وشبكات المحسوبية والنفوذ - ويتمتع كل من هذه باستقلاله النسبي، ويسعى لكسب الحظوة لدى الرئيس ويتنافس على حصته من الموازنة وتوسيع الصلاحيات. وكانت هذه الانقسامات أدت في الماضي الى بروز مراكز للقوة استطاعت تحدي الرئيس. من ذلك في الستينات نجاح عبد الحكيم عامر في السيطرة على قسم من القوات المسلحة لتحدي سلطة الرئيس عبد الناصر. والمحتمل ان عبد الناصر وقتها لم يكن سيستمر في السلطة لولا هزيمة 1967، التي القيت مسؤوليتها على عامر وادت الى انتحاره. وفي السبعينات شكى السادات من "مراكز قوى" معادية - التعبير صار جزءا من القاموس السياسي المصري وقتها - قبل ان يسارع الى تطهير الاتحاد الاشتراكي العربي من معارضيه الملتفين حول علي صبري وشعراوي جمعة. ولا يزال جهاز الدولة منقسما الى الآن. من ذلك ما نراه في ما يخص الرقابة، حيث تتنافس أطراف عدة، تمتد من وزارة الثقافة الى وزارة الشؤون الدينية الى وزارة الاعلام الى الأزهر، على حظر أو دعم هذا الرأي أو ذاك. المثال الآخر هو الحزب الوطني الحاكم، الذي فشلت قياداته في احيان كثيرة في فرض مرشحيها على منافسين من داخل الحزب. مع ذلك فقد استطاع النظام احتواء الخلافات والطموحات، وليس هناك الان شبيه لعامر أو صبري أو جمعة في تنظيم تكتلات قادرة على تحدي الرئيس. هذا النجاح في ادارة الانقسامات في جهاز الدولة حرم المعارضين خارج الجهاز من امكان التحالف مع أي تحد من داخله للوضع القائم. لا يعني هذا ان مكونات الجهاز معزولة تماما عن "المجتمع" - كما نفترض بسذاجة أحيانا بناء على نموذج ماكس فيبر للدولة "الحديثة". فهناك حالات كثيرة من التواطؤ بين هيئات ومسؤولين في الدولة وعناصر خارجها، بل حتى السيطرة من قبل العناصر الخارجية على الداخلية. لكن تأثير هذه الهشاشة في الحدود بين الداخلي والخارجي يبقى محصورا في تطلب النفع المادي أو الالتفاف على هذا القانون أو ذاك أو فرض ما يعتبر انه القيم الاسلامية الحقيقية. ولا يحظى هذا النوع من التواطؤ بقمع يذكر من قبل الدولة، الا في الحالات التي يبدو فيها أن الأمور توشك على الانفلات، أو أن الشخص الخطأ حقق منافع تتجاوز المعقول. هكذا نجد ان النظام يتحرك ضد الفساد عندما يبدأ بتهديد المصالح التي يشكل المساس بها خطا أحمر، أو الحاجة الى تحجيم طموحات مفرطة لدى هذا الطرف أو ذاك. متوازيا مع ذلك نجد ان المعارضة الاسلامية - عدا في حالة اغتيال السادات - فشلت الى حد كبير في اختراق القوات المسلحة. قدرة النظام على السيطرة على اجزائه المختلفة وعلى المجتمع تعتمد الى حد كبير بالطبع على موارده. فهناك الحاجة الى الموارد البشرية والمادية لتغذية تيار الدعاية التي تشرعن الوضع من خلال الاعلام الالكتروني والمطبوع، ولادارة تقنيات الرصد وادامة مكافآت للضباط مثل بيعهم شققا سياحية على المتوسط أو البحر الأحمر بأسعار رخيصة. بالمقابل على النظام في الوقت نفسه منع المعارضين من الحصول على موارد مشابهة، وهو ليس بالأمر الصعب اعتبارا بالتفوق البنيوي الكبير للنظام. يتسلم النظام المصري، مثل أنظمة أخرى في العالم الثالث، موارد خارجية تمكّنه من ادامة تفوقه البنيوي في الداخل. ويعطي هذا الدول المانحة، نظريا على الأقل، وفي حدود ما تعتبره مصلحتها، امكان الضغط على النظام. من ذلك أن في امكان الاتحاد الأوروبي المسيطر على سوق كبرى للمنتجات المصرية، اضافة الى تقديمه المساعدات، تفعيل المواد المتعلقة بحقوق الانسان في اتفاق المشاركة الجديد القائم على "اعلان برشلونة" والشراكة الأوروبية المتوسطية. كما يمكن للاتحاد بدلا من ذلك الاستعاضة عن الشروط السياسية الغامضة نوعا ما في الاعلان والشراكة بشروط جديدة تشجع على التغيير السياسي - مثلا، ربط المساعدات الاضافية وتوسيع الدخول الى أسواق الاتحاد بتوسيع المشاركة السياسية في الداخل ووقف القمع وتقوية حكم القانون. الا ان الولاياتالمتحدة هي الداعم الرئيس لمصر على الصعيد الدولي وتتمتع تبعا لذلك بقدرة أكبر على الضغط. اذ يمكن للادارة والكونغرس خفض المساعدات العسكرية التي تبلغ قيمتها 1.3 بليون دولار، وكذلك المساعدات المدنية بقيمة 600 بليون دولار المساعدات الأخيرة في طريقها الى الالغاء التدرجي. كما للولايات المتحدة، بفضل نفوذها في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وقف أو تأجيل قروض وتمويلات مشاريع التعديلات البنيوية. وقد نجح الرئيس مبارك حتى الآن في افشال مبادرات كهذه في مراحلها الأولى، وذلك الى حد كبير من خلال التأكيد على التزامه السلام مع اسرائيل وسجله في مكافحة الاسلاميين. لكن الأوضاع تغيرت بعد 11 أيلول سبتمبر 2001 عندما أصر الداعون الى عولمة الديموقراطية على الربط بين الارهاب والتسلط. وتركز هذا الربط غالبا على المملكة العربية السعودية، موطن غالبية الخاطفين الانتحاريين. لكن تورط عدد من المواطنين المصريين - زعما أو حقيقة - مثل أيمن الظواهري من تنظيم "القاعدة" وآخرين من شبكات ارهابية دولية سلط الضوء أيضا على النظام المصري. وبدا أن اعضاء الادارة الأميركية الذين يربطون بين التسلط والارهاب أحرزوا تقدما في هذا المجال عندما طلب الرئيس جورج بوش مبكرا في تشرين الثاني نوفمبر السنة الماضية من النظام المصري أن يكون قدوة لجيرانه العرب في التقدم نحو الديموقراطية. على رغم ذلك فان أطرافا أخرى في الادارة، استند بعضها الى انهيار مشروع المحافظين الجدد في العراق، تواصل معارضة هذه الموقف، محتجة بأن الأنظمة التسلطية تكبح الاسلاميين، ولولاها لجاؤوا الى الحكم عن طريق صناديق الانتخاب، ما يضاعف خطرهم على المصالح الأميركية والاسرائيلية و"الغربية" عموما. ويشيرون الى نجاح نظام مبارك في دحر الارهاب في الداخل. الدعم من الدول العربية تراجع بدءا من 1979 عندما وقعت مصر معاهدة السلام مع اسرائيل. ولم تصل المساعدات العربية الى مستواها السابق حتى بعد تحسن العلاقات وعودة الجامعة العربية الى مصر. وفي المرحلة بعد منتصف الثمانينات تراجع سعر النفط وتقلص معه مدخول الدول العربية المنتجة، ما شكل عائقا اضافيا على عودة المساعدات الى مستواها السابق. هناك أيضا الأموال التي يرسلها ملايين المصريين العاملين في الخليج وليبيا، وهي لا تزال على رغم تراجعها من المصادر الرئيسية لميزان المدفوعات. هذه الأموال بالطبع لا تتوجه الى الدولة، لكن الاخيرة تحاول الاستفادة منها عن طريق الضرائب. من المصادر الأخرى الاستثمارات العربية. ومن نافل القول ان مصالح معظم الدول العربية المانحة لا تسمح لها بربط المساعدات بالاصلاح السياسي. وعندما وضعت الأموال المصرية الآتية من الخارج في بنوك اسلامية تدخل النظام وألغى هذه المؤسسات التي خشي ان ستقوي الاسلاميين المعارضين. السؤال الأكثر تعقيدا هو هل ستكون الضغوط الخارجية من اجل الاصلاح أو حتى تغيير النظام مفيدة أم هل سيكون لها مفعول عكسي؟ ما لا شك فيه ان مجموعات رئيسية في مصر، اضافة الى الرأي العام عموما، سترى في الضغوط تدخلا مرفوضا تقوم به قوى امبريالية معادية أساسا، سبق لها السيطرة على البلد وتريد استعادة السيطرة الآن بوسائل جديدة مناسبة أكثر لأوضاع عالم اليوم. وتبدو الدعوات الى الديموقراطية وحقوق الانسان مبعثا للشك في حالات كثيرة لأن مطلقيها، خصوصا القوى المسيطرة على العالم، لا يدافعون عن حقوق الانسان الفلسطيني الرازح تحت الاحتلال الاسرائيلي. وتتضافر التجارب السابقة مع الشعور الحالي الحاد بالعجز لتعزز التوجه نحو سياسات الهوية، التي تتجسد بغريزة التضامن الداخلي والدفاع على ما لديها ضد الأجنبي، وبالتالي الدفاع عن الوضع السياسي القائم. والواقع أن الانظمة شبه البرلمانية في مصر وسورية والعراق قبل ثورات الخمسينات والستينات كانت صنيع القوى الامبريالية وخضعت لحد كبير لنفوذ تلك القوى، أحيانا من خلال معاهدات غير متكافئة. من هنا لا غرابة أن يثير التمويل الأوروبي لمشاريع مثل مركز ابن خلدون في القاهرة وحماية حقوق النساء والأقليات وهيئات مراقبة الانتخابات النيابية شكوكا عميقة وليس لدى الحاكمين فحسب بل المحكومين أيضا، من ضمنهم حتى اولئك المثقفون الذي ينتقدون سلطوية النظام. في مصر أو غيرها ليس للدعوة الى الديموقراطية سبيل الى النجاح ما لم تقم على فهم للكيفية التي تم بها التحول عن التسلط في البلدان التي نعتبرها راسخة في الديموقراطية اليوم. لا يعني هذا بالطبع القول بامكان تكرار التجربة التاريخية الأوروبية أو الأميركية الشمالية في بلدان مثل مصر. ذلك ان سياسات دول العالم الهامش تختلف عن المركز، مثلما تختلف الظروف السياسية بين قرن وآخر. كما ربما لا ضرورة للتكرار أخذا في الاعتبار الضحايا الذين لا حصر لهم في الثورات والثورات المضادة والانقلابات والانقلابات المضادة التي حفلت بها الصراعات بين مراكز القوى في الدول التي نسميها متقدمة، والحالات الكثيرة من جمود أو تراجع المسيرة نحو الديموقراطية في بريطانيا أو فرنسا أو ألمانيا أو أسبانيا وغيرها. بل يمكن بسهولة الادعاء بأن الديموقراطية بمعناها الأكمل، أي حق الاقتراع لكل المواطنين، لم تتحقق في بريطانيا الاّ في 1928، أي بعد سبعة قرون على بداية المسيرة. كما يمكن القول ان العملية في فرنسا لم تكتمل الا بعد سقوط نظام فيشي، أو حتى فقط عندما نجح شارل ديغول في افشال محاولة الانقلاب التي قام الضباط الرافضون لاستقلال الجزائر. وفي ألمانيا لم تبدأ الديموقراطية - عدا مرحلة فايمار القصيرة بعد الحرب العالمية الأولى - الا بعد قرن من الصراع وسقوط النازية في نهاية الحرب العالمية الثانية، واقتصرت البداية على الجزء الغربي منها. نجاح الدعوة الى الديموقراطية من الخارج يعتمد على وجود أطراف خارجية تستطيع تشجيع بروز مراكز قوى متنافسة، وذلك في "انبوب الاختبار" اذا صح التعبير، في شكل أسرع مما في النماذج الكلاسيكية وبكلفة بشرية أقل. وحتى لو وضعنا جانبا الأسئلة الأكثر اثارة للقلق حول الحق الاخلاقي للتدخل من الخارج وعن النتائج العكسية الممكنة لهذا النوع من التدخل فالقضية تبقى بالغة التعقيد. ان على أي محاولة في هذا الاتجاه بالطبع أن تدعم المراكز الموجودة حتى لو كانت لا تزال على شكل نواة وليست حاضرة فعلا بعد في المشهد العام. ان الفشل في ابتناء المجتمع المدني والقطاع الخاص في الماضي لا يمنع من قيامهما بدور مهم في المستقبل، شرط أن لا نرى في الأول أكثر من عنصر مساعد، وتمكن الثاني، أو قسم منه، من تحرير نفسه من النظام. ويعتمد التحرر التام للقطاع الخاص على ضمانات لحق الملكية، أي تشريعات ينفذها جهاز بيروقراطي محايد يدعمه جهاز قضائي أكثر استقلالا مما هو الحال عليه الآن. لكن هذا الاستقلال يعتمد بدوره على الفصل التام بين الجناحين القضائي والتنفيذي، وهذا بدوره، للأسف، مشروط ببروز مراكز متنافسة للقوى. خلال ذلك لا بد من تحديد مهمات أكثر تواضعا، مثل آليات رصد التخصيص بهدف منعه من الانحدار الى رأسمالية معتمدة على المحسوبية، وتجنب التفتيت الزائد للملكية في القطاع الخاص بما يمنع من التنسيق بين المالكين للعمل على ترسيخ وتوسيع القطاع. وعلى اي تحرك في هذا الاتجاه ان يترافق مع اجراءات تحرر نقابات العمال من النظام وتقويتها من حيث العضوية والقدرة التنظيمية. ذلك ان الديموقراطية المستقرة تدين بالكثير الى الصراع بين العمال ورأس المال. الاحتمال الثالث المؤيد لكل هذا يتلخص بانخفاض في المساعدات الخارجية والمداخل الريعية من الخارج بما يؤدي الى اضعاف الدولة اقتصاديا مقابل الأطراف والقوى الداخلية الأخرى، ويقلص قدرتها على توزيع المداخيل ويجبرها بالتالي على رفع مستوى الضرائب. والمأمول هنا أن رفع الضرائب يقود الى مطالبة متزايدة بالمشاركة في صنع القرار. كل من هذه الخيارات تبدو وكأنها تدخل مفضوح، لكنها على الأقل ذات تأثير على ميزان القوى الداخلي. انها عمليات أكثر تعقيدا من مجرد توجيه المساعدات المالية أو تنظيم دورات لتعليم الديموقراطية للشرطة، وتعتمد على الفهم التفصيلي للطريقة التي تديم فيها الدولة تفوقها البنيوي. من الواضح ان اتمام ترتيب الساحة السياسية بما يضمن توزيعا أكثر عدالة للموارد المتعلقة بعالم السياسة سيضمن للاسلاميين حرية التنظيم والتنافس على النفوذ ويقوي مراكزهم من نواح كثيرة. فالنظام حتى الآن يمنع الاسلاميين المعارضين من اقامة تنظيمات سياسية فاعلة وتحجيم وجودهم في البرلمان وغيره من المجالس، وهم بهذا القوة المكبوتة التي لا بد ان تظهر الى العيان. ويخشى كثيرون من المصريين والمراقبين الأجانب ان الاسلاميين هؤلاء لن يتقيدوا بالقواعد الديموقراطية، وسيحاولون في النهاية اقامة نظام تسلطي، وهو احتمال لا يمكن استبعاده. * مستشرق ألماني. ** كتب هذا النص عشية التغيير الحكومي الأخير في مصر لكن أساسياته لا تزال على حالها.