أدى الإسلامي المعتدل شيخ شريف شيخ أحمد اليمين الدستورية رئيساً للصومال أمس السبت بعد مشوار طويل قطع خلاله العلاقة مع أصدقائه القدامى من الإسلاميين الذين يوصفون بالمتشددين، وأبرم اتفاق مصالحة مع حكومة استعانت بالجيش الإثيوبي،"العدو اللدود"للصوماليين، لطرد الإسلاميين من الحكم في مقديشو في نهاية 2006، قبل أن يسحب الإثيوبيون قبل أيام قواتهم من البلاد منكوسي الرأس بعد عامين من الهجمات المتلاحقة ضدهم. وتعهد أحمد الذي أقسم على أن"يحافظ على الدستور"الوضعي الذي عارضه في شدة في بداية حياته السياسية، بأن تكون حكومته حكومة أمن وتشاور وتصالح، داعياً المجتمع الدولي إلى مساعدة حكومته حتى تنجح في مهمتها"الكبيرة". وقال في كلمته بعد القسم الذي أداه أمام النواب الصوماليين المجتمعين في جيبوتي، إنه سيعمل من أجل إعادة السلام إلى البلاد، وإعادة المشردين إلى منازلهم، واستخدام الحوار كسياسة لحل الخلافات القائمة في البلاد. وقال:"ستنتهج حكومتي السياسة المفتوحة لحل مشاكل البلاد"، مؤكداً أنه"واثق من تحقيق ذلك". وحقق أحمد، الإسلامي البراغماتي الذي قاد مرة"المحاكم الإسلامية"التي سيطرت معظم البلاد والعاصمة قبل إطاحتها خلال تدخل إثيوبي وتواطؤ أميركي في نهاية 2006 ومطلع 2007، فوزاً كبيراً في اقتراع النواب الصوماليين المنقسمين بين إسلاميين وقبليين ومتعاطفين مع دول خارجية. واعترف أحمد الذي حصل على 393 صوتاً من أصل 421 صوتاً، بأن الصومال يواجه اليوم"قضايا ثقيلة". إلا أنه أكد في الوقت نفسه أنه سيبذل كل ما في وسعه من جهد للتغلب عليها. ومد أحمد يد السلام إلى كل الفصائل المسلحة في البلاد، واعداً الشعب بأن تكون حكومته مختلفة عن سابقاتها. وكان رئيس البرلمان الصومالي شيخ آدم محمد نور المعروف بشيخ بمدوبي أعلن تحقيق أحمد فوزاً ساحقاً صباح السبت في بث حي تابعه الصوماليون في داخل البلاد وخارجها عبر الإذاعات المحلية والإقليمية. وبسبب سوء الأحوال الأمنية في بلدهم الذي تسيطر عليه جماعات إسلامية مختلفة، عُقدت الانتخابات الساخنة التي امتدت لأكثر من 10 ساعات في العاصمة الجيبوتية المجاورة. وتنافس أحمد مع أكثر من عشرة مرشحين بعضهم أكثر خبرة، بل تقلد مناصب في الحكومات السابقة. ومن بين هؤلاء نجل الرئيس السابق مصلح محمد سياد بري، المنافس الأقرب لأحمد في الدورة الثالثة. وأظهر فوز أحمد الذي فر في الأيام الأخيرة من عام 2006 خارج العاصمة الصومالية بعد هزيمة الإثيوبيين لقواته، مدى تقبل المجتمع الدولي لإسلامي اعتقد، بل وجهر، أن الإسلام هو الحل الوحيد لبلاده، وأن الصوماليين قادرون على حل مشاكلهم لولا التدخلات الأجنبية في بلادهم. وتوقعت الأوساط السياسة الصومالية فوز أحمد - الشاب نسبياً والذي يتقن العربية بفضل تلقيه التعليم في السودان وليبيا - لأنه يمكن أن يمد"غصن زيتون"للإسلاميين، ولأنه محبوب لدى معظم ساكني العاصمة مقديشو، العصية على كل محاولة تستهدف إعادة الأمن إليها منذ 1991. ووعد أحمد ببذل كل ما في وسعه من جهد - على رغم ضخامة المشكلة - لإيجاد حل لمشاكل بلاده المثخنة بالحروب منذ 18 عاماً. وقال في كلمة مقتضبة القاها أمام البرلمانيين بعد إعلان فوزه:"الحقيقة هي ان هناك قضايا ثقيلة تنتظرنا اليوم. ولكن بفضل الله، لدينا الأساس: الدولة، ومجلس شعب موحد"، مضيفاً وسط تصفيق حار من البرلمانيين والحضور، أنه سيعيّن رئيس وزرائه الجديد في شكل سريع، والذي سيعين، من جانبه، حكومة"تمثل الشعب الصومالي، حكومة قادرة على القيام بما يُنتظر منها، إن شاء الله". وعلى البرلمان الصومالي - الذي تم توسيعه قبل ايام ليضم الإسلاميين - أن يألف من الآن فصاعداً سماع كلمات دينية، عكس ما كان عليه الحال في السابق، إذ تحاشت حتى الأقلية المتعاطفة مع الإسلاميين في البرلمانات السابقة استخدام كلمات تعبّر عن انتماءاتهم الدينية. واستخدم أحمد الذي استهل كلمته واختتمها بالسلام عليكم،"إن شاء الله"قرابة عشر مرات، كما استخدم"الله سبحانه وتعالى"و"بفضل الله"مرة لكل منهما. وترددت هذه الكلمات في خطابه بعد القسم. وبشر أحمد الصوماليين -"إن شاء الله"- بأنه"سيخدم الشعب الصومالي بإخلاص، ومن دون تحيز، وبإعطاء كل ما يستحقه من فرص". وناشد أعضاء الفصائل المسلحة الذين سماهم ب"إخواننا المصلحين الذين ليسوا طرفاً في هذه العملية"، أن يلقوا السلاح ويشاركوا في إعادة السلام إلى الصومال. وقال:"مرحباً بكم. نحن إخوانكم، ونمد اليد إليكم". وحاول أحمد طمأنة دول الجوار ومن بينها إثيوبيا التي طردت مجلس"المحاكم الإسلامية"التي قادها أحمد من الحكم بدعوى أنها تهدد"أمنها القومي". وقال:"نحن مستعدون أن نكون طرفاً في شرق افريقي آمن، علاقاته مبنية على التعاون، والتعاضد والاحترام المتبادل"، مضيفاً:"وسأقول للعالم: إن الصومال ليس مكاناً يُهاجم منه العالم. إن الصومال مكان يعيش فيه فقراء وأناس يعانون، هدفهم البحث عن حياة وأمن". وأكد أن حكومته"ستصحح الترجمة الخاطئة التي نُشرت عن الإسلام، إن شاء الله"، دون ذكر من نشرها. وتابع قائلاً:"إن شاء الله، ستجلب هذه الحكومة أمناً في القرن الافريقي، وبخاصة الصومال". وأوصى البرلمانيين أن يبقوا متحدين كما هم الآن، مؤكداً أنه لا يفرّق بين البرلمانيين من جماعته وأعضاء البرلمان السابق، موضحاً أنه لا يحابي أحداً على أحد، وأنه سيضع المصلحة العليا للبلاد أمام مصلحته الشخصية ل"يضمن حقوق وأهمية الأشخاص". وحاول أحمد أن يُبعد نفسه عما قامت به الحكومات السابقة التي فشلت في إعادة الأمن والاستقرار في البلاد. وقال:"لا ديكتاتورية، ولا فساد، ولا إهمال في أداء المهمات الملقاة على عواتقنا". ودعا الله إلى"أن يعيد الأمن إلى الصومال، وشعبه، وأن يعيد لهم الوئام، وأن يصلهم إلى السعادة والتقدم، وأن يجعل هذه الحكومة، حكومة تنهي معاناتنا". ويواجه أحمد مشاكل أساسية على راسها ترويض"حركة الشباب المجاهدين"التي سيطرت قبل أيام على مدينة بيداوة، مقر البرلمان السابق، بعد نجاحاتها المتلاحقة في عدد من المدن المهمة في الصومال خلال العامين الماضيين، وبينها كيسمايو ثالث أكبر مدينة في البلاد. وأعلن مسؤولون من الجماعة سابقاً أنهم يعتبرون أحمد وأعوانه الذين أبرموا اتفاقاً مع من يعتبرونها"حكومة المرتدين"، خونة ارتدوا على مبادئ الجهاد والمقاومة، وأنهم ضد أن يكون الصومال"إمارة إسلامية". وليس واضحاً ما إذا كان أحمد قادراً على إقناع الجماعة بالانضمام إلى عملية السلام. والمشلكة الثانية التي يواجهها هي تأمين الأمن في مقديشو نفسها التي على رغم انتمائه إليها ستمثل تحدياً كبيراً لحكمه، علماً أنها كانت عقبة كأداء أمام جميع الرؤساء السابقين، ومنهم عبدالله يوسف أحمد الذي استقال في نهاية كانون الأول ديسمبر الماضي بعد خلاف حاد مع رئيس وزرائه نور حسن حسين. ومشكلة مقديشو تتمثل في إيوائها جماعات مسلحة متناحرة على أساس الدين والقبيلة، وهناك قبائل قد لا ترضى بأن تسيطر قبيلة أحمد على شؤون المدينة، وعلى رأسها قبيلة هبر جدر التي كانت المنافس الأزلي لقبيلة أبجال التي ينتمي إليها أحمد. وأظهرت قبيلة هبر جدر في تجارب سابقة أنها يمكن أن تكون عقبة أمام تحقيق الأمن في العاصمة، بسبب حرصها على المحافظة على مناطق نفوذها فيها خصوصاً المراكز التجارية. ويُضاف إلى هاتين المشكلتين مشلكة قبائل دارود، خصوصاً تلك التي تعيش في إقليم"بونت لاند"بلاد بنط الذي يتمتع بحكم ذاتي. إذ انهم لا يريدون أن يُهمّشوا في التعيينات المقبلة. ومن المرجح أن يختار أحمد رئيس وزرائه من هذه القبيلة. ومهما يكن من أمر، فإن لا شك أن أحمد يبدأ حياته السياسية الفعلية والصومال في أسوأ مراحله. فأكثر من ثلاثة ملايين شخص في أمسّ الحاجة إلى مساعدة، بينما أكثر من مليون شخص مشردين في داخل البلاد. وليس هناك مدينة واحدة، باستثناء بعض أجزاء مقديشو، تسيطر عليها الحكومة الموقتة. وفي نيروبي ا ف ب، رحبت الولاياتالمتحدة في بيان نشرته سفارتها في العاصمة الكينية بانتخاب شريف أحمد رئيساً للصومال، واعتبرت أن"الرئيس شريف كان من المؤيدين في شدة لمحادثات جيبوتي للسلام وعمل في شكل فاعل في جهود المصالحة في الصومال"، في اشارة الى محادثات السلام الصومالية في جيبوتي في 2008. وأضاف البيان:"نحن ندعو الرئيس شريف الى تشكيل حكومة من خلال مد يد التعاون الى الصوماليين الذين ينبذون العنف والتطرف". وتابع ان"الولاياتالمتحدة تنتظر بفارغ الصبر للتعاون مع الرئيس شريف وحكومة واسعة التمثيل، في جهودهما لارساء الديموقراطية واحلال السلام في الصومال". نشر في العدد: 16739 ت.م: 01-02-2009 ص: 12 ط: الرياض عنوان: بعد فوزه الكاسح في رئاسة الصومال . شريف أحمد يمد "غصن الزيتون" إلى الإسلاميين