أعادت ادارة الرئيس المنتخب باراك أوباما بوصلة السياسة الأميركية الى دائرة البراغماتية والواقعية السياسية، مع كشف تعيين ديبلوماسيين مخضرمين مثل دنيس روس وريتشارد هولبروك لتولي ملفات الشرق الاوسط وايرانوجنوب آسيا، وابقاء شخصيات غير ايديولوجية مثل وليام برنز نائب وزيرة الخارجية في منصبه مساعداً لهيلاري كلينتون التي سينظر الكونغرس مطلع الأسبوع المقبل في اسناد الحقيبة اليها. وأكدت ل"الحياة"مصادر قريبة من روس، المبعوث السابق الى الشرق الأوسط في ادارتي بيل كلينتون وجورج بوش الأب، أنه وافق على تولي منصب"مبعوث أول الى الشرق الأوسط"مع تركيز على الملف الايراني، فيما تداولت صحيفة"نيويورك تايمز"ومجلة"أتلانتيك"أمس، اسم مدير"مجلس العلاقات الخارجية"ريتشارد هاس كمبعوث ثانٍ الى الشرق الأوسط يمسك في شكل رئيسي بملف عملية السلام، واسم السفير السابق لدى الأممالمتحدة ريتشارد هولبروك كمبعوث الى أفغانستان وباكستان والهندجنوب آسيا. وتأتي هذه التسريبات حول التعيينات التي يُتوقع أن تُعلن رسمياً قبل شهادة هيلاري كلينتون أمام مجلس الشيوخ الثلثاء المقبل، لترسم منعطفاً في السياسة الأميركية عن حقبة الرئيس المنتهية ولايته جورج بوش الذي أتى بوجوه ايديولوجية تنتمي الى مدرسة المحافظين الجدد. والى جانب روس وهولبروك والتعيين المحتمل لهاس، كشفت"نيويورك تايمز"نية كلينتون ابقاء برنز في منصبه كنائب ثان لوزيرة الخارجية الى جانب جيمس ستاينبرغ. وفي المناصب الحساسة في التعامل مع الشرق الأوسط، سيُعيّن مستشار أوباما خلال الحملة الانتخابية دان شابيرو مستشاراً خاصاً للرئيس حول الشرق الأوسط، وهو المنصب الذي يتولاه الآن أليوت أبرامز. ويُعتبر شابيرو من الوجوه الواقعية في الحزب الديموقراطي ومن محبذي الانخراط في المنطقة مع سورية وايران، ولكن مع استكمال الدعم الأميركي للبنان وحلفاء واشنطن. وأدخل شابيرو عبارة حول دعم أوباما"اللبنانيين الذين انطلقوا بمسيرتهم وقدموا دماً لأجل الديموقراطية"، وذلك في خطاب الرئيس المنتخب، في برلين الصيف الماضي. وتعكس تلك التعيينات، خصوصاً عودة روس الى محور السياسة الشرق الأوسطية، جدية في نية الادارة الديموقراطية احياء عملية السلام والاستعجال في التعامل مع التحدي الايراني. ويرى روس في حوار مع ايران، بحسب تقرير نشره"مركز الأمن الجديد لأميركا"، ورقة ضرورية قبل درس الخيار العسكري ضدها. وسيعطي تعيين روس اشارات مطمئنة الى اسرائيل التي تتحفظ عن بعض مواقف أوباما، كما يضع في الوقت ذاته ثقة كبيرة بالمبعوث السابق والوسيط المحوري بين الإسرائيليين والفلسطينيين في كامب ديفيد العام 2000. لكن ملف عملية السلام لن يكون بالكامل في عهدة روس، إذ يرجح أن يتولاه هاس والسفير السابق دانيال كرتزر الذي يتوقع ان يُعيّن مساعداً لكلينتون لشؤون الشرق الأدنى في وزارة الخارجية. ويُعتبر هاس من القريبين الى مستشار الأمن القومي السابق برنت سكوكروفت، وهو من المفكرين الأكثر تمسكاً بالديبلوماسية ويرى ضرورة ملحّة لإعادة ضخ الجهود الأميركية لتسوية أزمات الشرق الأوسط. وكان هاس حذر في مقال حديث كتبه في مجلة"فورين افيرز"، تل أبيب من توجيه ضربة استباقية الى طهران، مشيراً الى تداعيات"كارثية"لخطوة مماثلة على المنطقة. أما الاستعدادات لتعيين هولبروك في منصب مبعوث الى جنوب آسيا، فتعبر عن نية أوباما ايلاء وقت أكثر لحرب أفغانستان والأزمة بين الهند وباكستان، واعادة توجيه الجهود الأميركية في"الحرب على الارهاب"الى هذه البقعة بدلاً من العراق الذي كان محط الاهتمام الأول لواشنطن خلال ولايتي بوش. في الوقت ذاته، اعتبر ستيفن هادلي مستشار الامن القومي الاميركي للرئيس المنتهية ولايته ان"ايران تشكل التحدي الاكبر أمام الادارة المقبلة"في الشرق الاوسط. وقال في كلمة ألقاها في"مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية"في واشنطن:"لن تسفر المفاوضات مع ايران كما اقترح بعضهم، عن تغيير في سلوكها ولن تعود بفائدة على المصالح الاميركية"، داعياً الى التركيز على تشديد العقوبات ضد طهران.