لم تنقذ المناظرة التلفزيونية الأخيرة في السباق الرئاسي الأميركي المرشح الجمهوري جون ماكين من تراجعه المستمر في الاستطلاعات، في وقت رأى معلّقون انه يحتاج"معجزة"لقلب المعادلة في السباق وقطع الطريق على منافسه الديموقراطي باراك أوباما. وعلى رغم الأداء الأفضل لماكين في المناظرة ليل الأربعاء - الخميس، أجمع المعلّقون والخبراء على فشله في إحداث اختراق، فيما بدأت التكهنات حول الفريق المحتمل للإدارة الديموقراطية المقبلة، والذي سيجمع أسماء مخضرمة في السياسة الخارجية بينها السناتور الجمهوري تشاك هاغل والسفير السابق لدى الأممالمتحدة ريتشارد هولبروك ومستشارون مقربون من أوباما مثل سوزان رايس ودنيس روس وريتشارد دانزيغ. واستبعد المعلّقان روجر سيمون مجلة بوليتيكو ودان بالز صحيفة واشنطن بوست ان يتمكن ماكين من اجتراح"معجزة"في الأيام ال18 المتبقية لموعد الانتخابات في الرابع من تشرين الثاني نوفمبر المقبل. وأشارا الى ان المرشح الديموقراطي قطع الطريق على أي"مفاجأة"في غير مصلحته، وذلك ب"أدائه الهادئ وخطابه الحذر"في مواجهة ماكين الذي نجح في وضع خصمه في موقع دفاعي و"هز شباكه"أكثر من مرة بالحديث عن السياسات الضريبية. وأكد ماكين ان من الخطأ ربطه بالرئيس الحالي جورج بوش. واعتبر المعلّق في مجلة"تايم"مارك هالبرن أن المداخلة الأكثر تميزاً لماكين في المناظرة كانت رفضه مقارنته ببوش، إذ خاطب المرشح الجمهوري منافسه الديموقراطي، قائلاً:"سناتور أوباما: أنا لست جورج بوش اذا كنت راغباً في خوض معركة ضده، كان يجدر بك الترشح قبل أربع سنوات". وطغت على المناظرة الأزمة المالية وهموم الطبقة الوسطى والروايات الحية عن تجارب أميركيين مثل"جو"السبّاك من ولاية أوهايو أو ممرضات يعانين من الضائقة المعيشية. وسيطر ماكين على الشق الأول من المناظرة بهجوم مركز وناجح على أوباما في موضوع الإعلانات السلبية والضرائب، قبل أن يلتقط السناتور"الأفريقي"سلاح الديموقراطيين الأقوى في هذه الحملة، أي الاقتصاد وخطط الضمان الصحي وتأمين الوظائف والتي وفرت عليه ضربة قاضية في الشق الثاني. وبرز في المناظرة التناقض في الأداء بين ماكين الذي ركز على أدوات الهجوم ولعب كل أوراقه ضد أوباما، من علاقته المثيرة للجدل بشخصيات يسارية متطرفة الى مواقفه من الاجهاض وتعيينات المحكمة العليا، فيما حافظ المرشح الديموقراطي على نمط هادئ في خطابه، وتفادى أي مجازفة. وأكد ماكين ضرورة تغيير النهج الحالي ووضع الولاياتالمتحدة على سكة جديدة، لكن ذلك لم يكن كافياً لاستعادته الصدارة في الاستطلاعات، بسبب تحول الأزمة الاقتصادية الى اللاعب الأكبر في الانتخابات. وواصل أوباما تقدمه في استطلاعات الرأي بمعدل سبع نقاط مئوية. وعكست استطلاعات لشبكتي"سي أن أن"و"سي بي أس"تفضيل الأميركيين أداء أوباما في المناظرة بنسبتين راوحتا بين 58 و 53 في المئة للمرشح الديموقراطي، في مقابل 31 و22 في المئة لمنافسه. وانتقلت المعركة أمس من الشاشات الصغيرة الى أحياء الولايات الحاسمة مع تركيز الجمهوريين جهودهم على ولايات بنسلفانيا وفلوريدا وأوهايو، المثلث التقليدي للفوز بالرئاسة وحيث يتقدم أوباما. وبدا الديموقراطيون في موقع يحسدون عليه لم يعرفوا مثله منذ التسعينات من القرن العشرين، حين فاز بيل كلينتون بالرئاسة. وفتح هذا التقدم الباب للتكهنات حول شكل أي إدارة ديموقراطية مقبلة. وعلمت"الحياة"من مصادر قريبة من حملة أوباما أن ابرز المرشحين لتولي حقيبة الخارجية في إدارته، هم: السناتور الجمهوري تشاك هاغل والسفير السابق لدى الأممالمتحدة ريتشارد هولبروك وحاكم ولاية نيو مكسيكو بيل ريتشاردسون. ويشترك الثلاثة بانتمائهم الى المدرسة الواقعية في السياسة وخبرتهم الديبلوماسية في منطقة الشرق الاوسط، لكن هاغل وهولبروك يتميزان بقدرتهما على اتخاذ قرارات حازمة مثل انقلاب هاغل على بوش في حرب العراق، أو تحذير هولبروك لسلوبودان ميلوشيفيتش واطلاقه العمليات العسكرية في البلقان. وفي حال تعيين هاغل، يكون أوباما الرئيس الديموقراطي الثاني بعد كلينتون الذي استقطب جمهوريين لمناصب حساسة، مثل إسناد الرئيس السابق حقيبة الدفاع الى وليام كوهين عام 1997. أما على صعيد وزارة الدفاع، فبرز اسم مستشار أوباما وزير البحرية السابق في ادارة كلينتون، ريتشارد دانزيغ، اضافة الى القائد الأعلى لقوات الحلف الأطلسي سابقاً جيم جونز. ويتوقع أن تحظى مستشارة أوباما للشؤون الخارجية سوزان رايس بمنصب قريب من المرشح مثل مستشارة للأمن القومي، وهي من المتشددين في"الحرب على الإرهاب". كما يتوقع تعيين المبعوث السابق الى الشرق الأوسط دنيس روس في منصب رفيع في الخارجية أو البيت الأبيض. وستعود أسماء بارزة في إدارة كلينتون الى المشهد السياسي، لترسخ المدرسة البراغماتية والعقلانية التي طبعت تلك الحقبة وافترق معها بوش بعد اعتداءات 11 أيلول سبتمبر 2001.