الأرزة الشامخة هي شعار الجمهورية اللبنانية، وتتوسّط العلم اللبناني. وهي رمز هذا البلد العربي المتوسطي وقد ذكرت في الإنجيل المقدّس في ما يحلو للبنانيين تسمية بلدهم"ببلد الأرز"... فلبنان والأرز توأمان منذ القدم! ولعل أهمية غابات أرز لبنان تعود الى كونها ضاربة في التاريخ، ولعبت دوراً بارزاً في ثقافة الشرق الأدنى القديم. فالقلائل يعرفون أنها استعملت في بناء هيكل سليمان وقصره وفي أثاث قصور الفراعنة ومراكبهم الشمسية. لذا فقد وضع"أرز لبنان"على لائحة المعالم السياحية العالمية المرشحة لدخول قائمة عجائب الدنيا بالإضافة الى مغارة جعيتا. خشب الأرز جزية! تتوزع غابات الارز على جبال لبنان في منطقة الشوف و"جاج"في جبيل - تنورين - حدث الجبة - حرش أهدن - بشري الواقعة في شمال لبنان، وهي غابة أشجار ألفية تقع على ارتفاع يفوق 2500 متر ويصل ارتفاع بعضها الى 35 متراً وقطرها الى 14 متراً. وبحسب دراسات وزارة السياحة اللبنانية فقد لعب الأرز دوراً بالغاً في ثقافة الشرق الأدنى القديم، كما في تجارته وطقوسه الدينية بحيث ورد في التوراة وبعض النصوص القديمة، فصدّر الى مصر كجزء رئيسي من الجزية التي كان على مدن الدويلات الكنعانية والفينيقية دفعها الى الغزاة. كما أن سليمان طلب من أحيرام الصوري تزويده بخشب الأرز لبناء هيكله وقصره. وورد في احدى الكتابات الأثرية أن ملك الآشوريين"سنحاريب"715 - 681 ق.م وملك البابليين"نبوخذ نصر"605 - 562 ق.م جالا في جبال لبنان وقطعا بأيديهما أجمل ارزاته. أما في القرن الثاني الميلادي، فهناك قصة شهيرة للإمبراطور الروماني"هادريان"الذي اتخذ قراراً بحماية أصناف الأشجار، وخصص فرقاً لمسح الاحراج والغابات وحمايتها وفرض عقوبات على من يقطعها. ولكن جهود هذا الامبراطور ذهبت سدى في ما بعد، فقطعت الأخشاب لاستخدامها في المواقد و"مشاحر"الفحم خلال القرن التاسع عشر، وأصبحت في الحرب العالمية الأولى مصدراً رئيسياً للأخشاب لمدّ خط سكة الحديد التي أنشأها الجيش البريطاني بين طرابلس وحيفا. وهكذا خسر لبنان جزءاً كبيراً من ثروة شجر الأرز خلال القرنين المنصرمين ولم يبق سوى غابات منتشرة بشكل مبعثر في المناطق. وأهم عناصر حياة هذه الأشجار أنها تنمو على ارتفاع 1500 الى 2000 متر عن سطح البحر، وهي بطيئة النمو ويستلزم طرحها لبذور منتجة حوالي 40 عاماً. كنيسة أثرية داخل الغابة وهنا تحاط الأرزات الكبيرة"الأجمات"بحماية كبيرة، ففي منطقة الباروك الشوف يزيد عمر الأشجار عن 350 عاماً وهي الأفضل حالاً وحماية في لبنان خصوصاً بعد انشاء"محمية أرز الشوف". أما أشهر الأجمات على الأطلاق فهي أجمة"بشري"المعروفة باسم"أرز الرب"وأرزاتها أقدم أشجار الأرز في لبنان، وتمتاز باستقامة جذوعها وبأغصانها العظيمة المروحية الشكل المتعامدة مع الجذوع. في محمية"تنورين"الطبيعية تنتشر 25 في المئة من غابات الأرز المتبقية في لبنان وقد أنشئت هذه المحمية لصيانة هذه الأشجار، بينما بدأت بوادر العناية بأرز بشري منذ العام 1876 عندما أولت ملكة بريطانيا العظمى"أرز الرب"عنايتها فأمرت بإقامة سور حوله لحمايته من قطعان الماشية. وفي ثمانينيات القرن الماضي أنشئت"جمعية أصدقاء غابة الأرز"فأخذت على عاتقها حماية الغابة التي تقوم في وسطها كنيسة صغيرة شيّدت عام 1843 ويقصدها الزوار والسيّاح للاحتفال بالصلاة عشية عيد"التجلّي"في 6 آب أغسطس من كل عام. والحديث عن غابات الأرز قد لا يكون وافياً من دون ذكر مواقع التزلج فيها لأنها تشكل منتجعاً سياحياً شتوياً لهواة التزلج الذي تفتقر إليه الدول العربية المجاورة مما يجعل موقع لبنان فريداً في هذا المضمار. ويعتبر مركز تزلج الأرز في بشري من أهم المراكز بروعة مشاهده ونوعية ثلجه، ويستمر موسمه نحو خمسة أشهر خلال العام. ونظراً الى أهمية إعادة تشجير لبنان بأشجار الارز قامت"محمية أرز الشوف"بإطلاق مشروع ذكي هو عبارة عن تسجيل شجرة أرز حديثة العمر باسم شخص تحمل الارزة اسمه فيكون بذلك"عرّابها"فيعتني بها ويزورها ساعة يشاء لا بل يمنح شهادة تدل على أن الشجرة تحمل اسمه! وكل هذا مقابل مبلغ 100 دولار أميركي.