كل مرشح للرئاسة الأميركية يكسب تأييداً إضافياً خلال مؤتمر حزبه بسبب التغطية الإعلامية الإغراقية المرافقة، وقد استفاد باراك أوباما من مؤتمر الحزب الديموقراطي الأسبوع الماضي، ولا بد من أن يستفيد جون ماكين من مؤتمر الحزب الجمهوري، لذلك سأتجاوز اليوم استطلاعات الرأي العام فهي ستؤكد هذا الاتجاه القديم والدائم، والمهم هو من سيتقدم في الرابع من تشرين الثاني نوفمبر المقبل، فتقليد الانتخابات الأميركية أن تجرى في أول ثلثاء من ذلك الشهر. ثمة شهران ستتأرجح فيهما حظوظ المرشحين صعوداً وهبوطاً، وما نعرف اليوم هو أن أوباما اختار الى جانبه نائباً للرئيس السناتور جو بايدن، فأضفى على حملته وقار الشيب، وخبرة بايدن الهائلة في الشؤون الخارجية، وان ماكين اختار سارة بالين نائبة له، فيما كان يحتفل بعيد ميلاده الثاني والسبعين، وهي بعيد زواجها العشرين، ورد بذلك على شباب ماكين بامرأة في مثل عمره فهي في الرابعة والأربعين. وهكذا فالخيار الأميركي هو بين بطاقتين متكافئتين، مرشح شاب للرئاسة معه سياسي كهل، أو مرشح تجاوز الكهولة الى عتبة الشيخوخة معه نائبة شابة. ويبدو ان الأميركيين يفضلون البطاقة الديموقراطية، فقد استمع الى خطاب أوباما 40 مليون متفرج، وهو رقم قياسي. كنت أتمنى لو أن ماكين اختار السناتور جو ليبرمان ليشغل منصب نائب الرئيس معه، فعمرهما معاً يتجاوز 140 عاماً، ما لا يصلح لعصر التلفزيون وتكنولوجيا الاتصالات. غير أن مساعدي ماكين رفضوا السناتور ليبرمان الذي كان ديموقراطياً وأصبح مستقلاً، وهو اسرائيلي قبل أن يكون أميركياً، لموقفه من الإجهاض، ما قد يغضب القاعدة المسيحية المحافظة، فكان ان اختار المرشح الجمهوري امرأة لا خبرة سياسية لها من أي نوع، فهي محدودة المعرفة في الشأن الداخلي، وغريبة تماماً عن الشؤون الخارجية، وصِفَتها الغالبة انها يمينية تؤيد حمل المواطنين السلاح، وتعارض الإجهاض، حتى قرأت عنها إنها تجمع بين سياسة ديك تشيني وخبرة دان كويل. الناخب الأميركي سيجد أمامه خياراً يتجاوز عمر هذا المرشح أو ذاك وخبرة الواحد أو عدم خبرة الآخر، ووجود نائب للمرشح له 30 سنة من العمل في السياسة الخارجية أو نائبة شابة، فهناك حزمة سياسات جمهورية وديموقراطية لا تكاد تتفق على شيء حتى وان بدت متقاربة أحياناً. المرشحان يريدان"استقلالاً"نفطياً لبلادهما، ولكن في حين أن أوباما يريد استثمار بلايين الدولارات في العقد المقبل بحثاً عن طاقة بديلة ولاستخدام الطاقة الموجودة بشكل أكثر فعالية، فإن ماكين لا يتردد في دعم التنقيب عن النفط في البحر، والمناطق المحمية من الاسكا، وهو موقف بالين المرشحة لنيابته والقادمة من الاسكا. أعترف بأنني لا أهتم كثيراً بأن يكون مرشح مع حمل الأميركيين السلاح، أو ضده، أو يؤيد الإجهاض أو يعارضه، أو أن الخلاف على عدد أسابيع الحمل التي يمنع بعدها الإجهاض، هذه أمور داخلية أميركية، ومثلها مدى توافر الرعاية الطبية، وبرامج مساعدة الفقراء. السياسة الخارجية أهم كثيراً للمراقب العربي، فهي تؤثر فينا كل يوم، وأستطيع بسرعة أن أقفل موضوع اسرائيل، فالمرشحان يتنافسان في تأييدها، وقد زايد أوباما على ماكين وغيره وهو يتحدث في مؤتمر اللوبي اليهودي، أو وكر الجواسيس المعروف ايباك. غير ان أنصار اسرائيل لا يثقون بمرشح أسود اسمه باراك حسين أوباما، وهم يشنون عليه حملات تهبط أحياناً الى درك العنصرية، ما يعني أنه أفضل عربياً من ماكين في موضوع الصراع العربي - الإسرائيلي. برنامج الحزب الديموقراطي الذي صدر في نهاية مؤتمره كرر طلب أوباما الانسحاب من العراق في 16 شهراً، وتعزيز القوات الأميركية والحليفة من الناتو في أفغانستان، وتحدث عن العودة الى التعاون مع الأممالمتحدة والمنظمات الدولية الأخرى. في المقابل جون ماكين يميل الى استخدام القوة العسكرية، وقد أيد زيادة القوات في العراق، وعارض جدولة انسحابها، وهدد ايران التي عرض أوباما التفاوض معها من دون أن يتخلى عن الخيار العسكري، ولعل أخطر ما في سياسة ماكين انها ستؤدي الى عودة الحرب الباردة فهو دعا مرة في خطاب له عن السياسة الخارجية 26/3/2008 في لوس انجيليس الى طرد روسيا من مجموعة الدول الثماني، وعزل الصين عالمياً، وهو بذلك يتبنى سياسة المحافظين الجدد في طلب امبراطورية أميركية تلف العالم وتمنع قيام منافسة لها. الولاياتالمتحدة بقيت دولة عظمى وحيدة في العالم على امتداد عقدين تقريباً، بعد سقوط الشيوعية، إلا أنها لن تبقى وحدها، فروسياوالصين ستنافسانها في العقد المقبل، وسيتبعهما الاتحاد الأوروبي، وربما الهند والبرازيل، فلا يبقى العالم تحت رحمة دولة واحدة، وهو شيء يشكر عليه جورج بوش الابن الذي دمر الاقتصاد الأميركي وأدخل القوات المسلحة الأميركية في حروب لم تعد تستطيع معها القيام بمهمات اضافية. وقد حاولت في العرض السابق أن أكون موضوعياً، وأن اعتمد على معلومات لا خلاف عليها، إلا أنني أختتم في شكل غير موضوعي فأفضّل أوباما لأن عصابة اسرائيل تفضل ماكين.