بعد بضعة أسابيع وصل رجلٌ من المدينة الى منزل حارس الحدود. قال للولد: - أُدعى بيتر ن. وسأعنى بك من الآن فصاعداً. خُذ، هذه بطاقة هويتك لا ينقصها إلا توقيعك. يحدقُ الولدُ في البطاقة. تاريخ ميلاده أُرجعَ ثلاثة أعوام الى الوراء، ويُدعى كلاوس، أما جنسيته فپ"بلا جنسية". وفي اليوم ذاته، يستقل بيتر وكلاوس الباص قاصَدين المدينة. وخلال الرحلة، يطرح عليه بيتر بعض الأسئلة: - ماذا كنت تفعل يا كلاوس، قبل عبورك الحدود؟ أكنتَ طالباً؟ - طالب؟ لا. كنت أزرعُ حديقتي وأعتني بماشيتي ودجاجاتي، وأعزف على الهرمونيكا في الحانات وأحمل حقائب المسافرين. - وما هي مشاريعك للمستقبل؟ - لا أدري، لا شيء. لماذا ينبغي على المرء قَطعاً أن يفعل شيئاً؟ - يجب أن تجني مالاً لكي تعيش. - هذا ما أجيده. وطالما سعيت لكسبِ بعض المال. وكم أودّ أن أزاول أي عملٍ لأكسب القليل من المال. - القليل من المال؟ وأي عمل؟ بإمكانك أن تحصل على منحة دراسية. - لا أرغب في الدراسة. - ومع ذلك يجب أن تدرس قليلاً لتتقن اللغة جيداً. أنت تتقن التحدث بها، ولكن يجب أن تتقن أيضاً الكتابة والقراءة. سوف تقيم في أحد بيوت الشباب برفقةِ طلاب آخرين. ستكون لك غرفة خاصة، وستتابع دروساً في اللغة وبعد ذلك سوف نرى. يمضي بيتر وكلاوس ليلتهما في فندق في إحدى المدن الكبيرة. وعند الصباح يستقلان القطار الى مدينة أصغر تقع بين بحيرةٍ وغابة. أما بيت الشباب فيقع في شارع شديد الانحدار، وسط حديقة بالقُربَ من قلب المدينة.... يقول بيتر: - في غضون هذا العام، سيكون عليك أن تقرر ما اذا كنت ترغب في الدراسة أو تفضّل أن تتلقى تدريباً مهنياً ما. - لا أرغب في الدراسة. - سوف نرى، سوف نرى. أليس لديك إذاً أي طموح يا كلاوس؟ - طموح؟ لا أدري. أريد فقط أن أحيا بسلام ليتسنى لي أن أكتب. - أن تكتب؟ ماذا؟ أو ترغب في أن تصبح كاتباً؟ - أجل. ليس من الضروري أن يتابع المرء الدراسة ليصبح كاتباً. يكفي أن يجيد الكتابة دون أخطاء كثيرة. أودُّ فعلاً أن أتعلم الكتابة الصحيحة بلغتكم، وأعتقد أن هذا يكفيني. يقول بيتر: - ولكن المرء لا يستطيع العيش من الكتابة. يقول كلاوس: - لا، أعلم ذلك. ولكن بإمكاني أن أعمل خلال النهار، ثم أنصرفُ الى الكتابة ليلاً. هذا ما كنتُ أفعله خلال اقامتي مع الجّدّة. - ماذا تقول؟ أتقصد أنك مارست الكتابة مِن قبل؟ - أجل. لقد سوَّدتُ عدداً من الدفاتر. وهي ملفوفة في معطفي القديم. وحالما أتقن لغتكم أترجمها وأطلعك عليها. ها هما الآن في الغرفة ببيت الشباب. يفك كلاوس الخيط الذي يربط به معطفه القديم. لا يلبث أن يُلقي بخمسة دفاتر مدرسية على الطاولة. يتصفحها بيتر، دفتراً تلو الآخر: - إني أتحرق شوقاً بالفعل لأن أعرف محتوى هذه الدفاتر. أهي كتابة أشبه باليوميات؟ يقول كلاوس: - لا، إنها أكاذيب. - أكاذيب؟ - أجل. أشياء مُختلقة. قصص غير صحيحة ولكنها يمكن أن تكون كذلك. يقول بيتر: - أسرع إذاً بتعلُّم الكتابة بلغتنا، يا كلاوس. * هذه الزاوية الصيفية تتذكر كتاباً وتدلّ القراء اليه. رواية"الكذبة الثالثة"للهنغارية التي تكتب بالفرنسية آغوتا كريستوف صدرت في 1991. ترجمها بسام حجار الى العربية وصدرت في 1995 عن دار الآداب ? بيروت. المنشور أعلاه مقاطع منها.