لم يكن غريباً أن يناقش البرلمان الهندي الثقة في حكومة مان موهان سينغ، وينقاد الى رغبة الحكومة بالمضي على اتفاقية التعاون النووي مع الولاياتالمتحدة. فلم يفطن أحد من الوزراء، أو من أعضاء البرلمان لحظة واحدة الى التفكير في التطورات الاستراتيجية، وحاجة البلاد الى علاقات قوية ليس بالولاياتالمتحدة وحدها، وانما بروسيا وايران كذلك، في سبيل حماية الأمن والاستقرار والتقدم. فلم يتناول أحد من أعضاء البرلمان مخاطر التحالف الجديد بين طالبان والاستخبارات الباكستانية، والهجوم على السفارة الهندية في أفغانستان الناجم عنه، وزيادة العمليات الإرهابية التي تدعمها باكستان بكشمير، أو تناول الخطر الصيني المحدق بالهند على الدوام. وهي أمة تشكل الطاقة لها مصدراً مهماً من مصادر تطورها، واخراج أكثر من ستمئة مليون نسمة من مواطنيها من مستنقع الفقر. وعلى رغم هذا، قليل من الناس فهموا تداعيات الاتفاق النووي السلمي مع الولاياتالمتحدة. وأقل القليل قرأوا مشروع الاتفاق مع وكالة الطاقة الذرية الدولية التي تتولى الرقابة على هذه المنشآت. ومثلهم الذين قرأوا نص قانون الطاقة الأميركي في 2006، وفهموه، وانتبهوا الى نتائجه على الهند. والقانون هذا هو مرجع 123 اتفاقية، ويقصر الطاقة النووية على توليد الطاقة لأغراض سلمية. وقلة تفرق بين مفاعل يعمل بالماء الثقيل، ويشبه محطة تكرير نفط، ومفاعل يعمل بالماء الخفيف، وهو أشبه بمحطة تزويد بالنفط المكرر. وفي 1991 رفضت الحكومة تخصيص تمويل لاستخراج اليورانيوم، ما أدى الى اغلاق عدد من المناجم، لم تحل بدائل محلها. ولن تتوافر الى 2015 ? 2020 كميات كافية من اليورانيوم، وينبغي توفيرها تالياً من الدول المصدرة للمواد والطاقة النووية. وفي الحقل المهم هذا، عمل العلماء ببطء، وقصروا في الإنجاز. وعلى الحكومة الاهتمام بالعلماء الذين حصنوا البلاد بردع نووي وطني يجب الحفاظ عليه مهما غلا الثمن. والهند لم توقع معاهدة حظر انتشار السلاح النووي. وعليه، لم يعترف بالهند قوةً نووية. وعلى مفاعلاتها التي تخضع للتفتيش الدولي أن تتولى الإشراف عليها وكالة الطاقة الذرية الدولية، على خلاف حال الصين. ونظرة على المشروع النووي الصيني، وهو بدأ العمل في 1956، تنبئنا بأن المشروع هذا مكَّن الصين من الاستقلال الاستراتيجي. واعترف بالصين قوة نووية. ومكنها ذلك من التوقيع على اتفاقية نووية مع الولاياتالمتحدة. ومفاعلات الصين محلية الصنع. وهي تسهم ب2 في المئة من حاجات الصين للطاقة 80 في المئة من استهلاك الطاقة يلبيها الفحم الحجري و18 في المئة المولدات الحرارية. وتملك الصين ستة مفاعلات، مستوردة من شركة وستينفهاوس. وهي تخطط لاستيراد 30 - 40 مفاعلاً نووياً من فرنسا وروسيا وكندا والولاياتالمتحدة. وأنا أرى أن الصين، وهي في مقدمة من استفاد من تدوير الطاقة، انما اشترت هذه المفاعلات، وغرضها دراستها من قرب، وبناء نظائر لها، بما في ذلك عوامل التحكم والأمان. وصفتها دولة نووية يقصر الصين على فتح واحد في المئة من منشآتها النووية للتفتيش. وعلى الحكومات الهندية المقبلة ألا توقع معاهدة حظر انتشار الوقود النووي. وعليها المحافظة على مفاعلات الهند المحلية بعيداً من الرقابة الدولية، ووضع مسألة استخراج اليورنيوم في صدارة الأولويات. وإذا وضعت الحكومة المصلحة الوطنية العليا في المقدمة لم تتأثر بالتعقيدات الدولية. ويسع سياسة الهند الخارجية ألا تتأثر كثيراً بتوقيع الاتفاقية النووية مع واشنطن. علماء الهند ربما مجاراة لنظرائهم الصينيين، ويختبرون قدرتهم على بناء مفاعل نووي محلي، في كودانكو لام، وتطبيق أصول الصنع نفسها على المفاعلات القادمة. والمفاعلات المستوردة العاملة بالماء الخفيف تسهم بشطر من حاجتها للطاقة، الى 2050، بأسعار تبلغ ضعفي أو ثلاثة أضعاف سعر الطاقة الحالي. ولكنها تمكن العلماء من تقنيات جديدة، ومن نظم حماية جديدة، الى توفير الوقود اللازم للمفاعلات ال14 العاملة اليوم، والخاضعة للإشراف الدولي الى 4 مفاعلات أخرى حديثة طور الإنشاء. وإجمالاً، لن يكون للاتفاق النووي مع الولاياتالمتحدة تأثير راجح قبل 2050. وإذا تمكن العلماء من بلوغ نتائج ايجابية تتوج مساعيهم في بناء مفاعلات تعمل بالثوريوم، ستشارك المفاعلات النووية بشطر كبير في توليد الطاقة الكهربائية، في 2080، وتتولى، في القرن المقبل، توليد ما يزيد على 400 ألف ميغاواط طوال 400 عام متصلة. وأمة الهند للأسف، يحوطها جيران غير مستقرين، وتشكو شعوبهم الفقر. وداخلياً، ثمة 13 مقاطعة هندية قد يفضي بها الفقر الى انهيار حكمها المحلي. والاستخبارات الباكستانية تبعث أسلوبها القذر في العمل. فهي ساعدت مخططي الهجوم الإرهابي على السفارة في كابول. وانتهك الجيش الباكستاني وقف إطلاق النار، الموقع منذ أربع سنوات، أكثر من أربع مرات في غضون الأسبوع الأخير وحده. والهجمات الإرهابية في كشمير تجددت، وتشهد الحدود الصينية هجمات جديدة. واعتماد الهند على البحر في الحصول على الطاقة والتجارة 90 في المئة من التجارة الخارجية واحتياجات الطاقة الهندية تمر عبر البحر يتوقع أن يزداد بعد التوقيع على الاتفاق النووي. فالماء الثقيل واليورانيوم ينقلان بحراً، مثل النفط الخام. وأكثر من 70 في المئة من انتاج البترول والغاز تنقل بالبحر. والهند مقبلة على التوسع نحو القطب الجنوبي. والبحث عن المعادن في البحار والمحيطات ما يحملها على تعاقد استراتيجي مع البحر. وتقتضي هذه زيادة الهند قوتها البحرية زيادة عظيمة. والهند في أمس الحاجة الى الطاقة. ويبقى الاتفاق النووي واحداً من خياراتها. ومن المتوقع أن تدخل الاتفاقية حيز التنفيذ قريباً. فعليها أن تعمل للاستفادة بأكبر قدر ممكن من هذه الاتفاقية، وذلك في مجال الحماية والرقابة على المنشآت النووية، وفي مجال تخصيب الوقود النووي. وعلى الحكومات الآتية التصرف بحكمة بالغة لتقليل المخاطر المترتبة على هذه الاتفاقية، وفي وقت يبقى المشروع النووي الوطني مستمراً، ومبنياً على تقنية المفاعلات السريعة، واستراتيجية ردع مستقلة. عن اللواء آرون كومار سينغ قائد أسطول الهند البحري في المناطق الشرقية سابقاً،"ايجين آيج"الهندية 4/8/2008