عادة ما تثير المشاريع السياسية والاقتصادية الإقليمية والدولية الكثير من الآراء المتناقضة، ولا يمكن لمشروع"الاتحاد من أجل المتوسط"أن يشذ عن هذه القاعدة. وعلى رغم كل الغطاء السياسي الكبير لهذه الخطوة الفرنسية التي قامت بفكرة من الرئيس نيكولا ساركوزي، كان للشباب الجزائريين آراء متفاوتة، حتى ذهب البعض الى حد اعتباره فكرة مجنونة. جنون الفكرة لم يكن نابعاً من الاعتقاد بسهولة تخلي الدول العربية عن العهد الدائم بمقاطعة أي رقعة تكون فيها إسرائيل، ولا حتى في عدم اقترابها في شيء من الدول الغربية بسبب الهوة الشاسعة، سواء على المستوى الاقتصادي أم الحضاري والثقافي. ويكمن جنون الفكرة في نجاح الجانب الغربي في إنجاح حلقة جديدة من الاتحاد والمشاركة في الوقت الذي فشلت كل مبادرات الوحدة العربية من قبل على كل المستويات على رغم المقومات اللغوية الدينية والحضارية المشتركة. الجزائر التي انقسمت إلى تيارين، كانت حاضرة في ندوة المشروع الأخير. كان الخطاب الرسمي للجزائر متحفظاً تماماً عن هذا المشروع لعدد من الأسباب التي اشتركت في البعض منها مع ليبيا التي رفضت المشاركة. وبغض النظر عن تلك الأسباب السياسية والتاريخية لم يكن الشباب الجزائري مختلفاً أو معارضاً تماماً لها. ففي ظل الظروف السيئة التي تفرض نفسها شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، صار أمر الانفتاح على الدول الأوروبية أكبر الأحلام مداعبة لخيالات الشباب. فالشر الذي لا بدّ منه والذي يدعى"السياسة"لم يعد أمراً مهمّاً كثيراً بالنسبة الى الشباب في الجزائر. فبكثير من السطحية يعتقد الكثيرون أن هذا الاتحاد هو فرصة لا تعوض من أجل التغيير، هو يعني أيضاً أنّ قوارب الموت ستختفي نهائياً بعد أن تفتح الحدود في وجه الشباب الراغب في الهجرة، كما أنّ حلم البعض في مواصلة الدراسات العليا سيكون أمراً سهل المنال بعد إجراءات الشراكة والتعاون التي ستوقع بين دول الحوض المتوسط وهو ما كان صعباً جداً من قبل هذا القرار. أمين 28 سنة رأى في هذا المشروع ضربة حظ لا يجب تفويتها، وقال:"أرجو ألا يصر السياسيون عندنا على جنونهم ويرفضوا مثل هذا الاقتراح الفرنسي. هم لم يتمكنوا من إيجاد التغيير عندنا فليتركوا المبادرات الأخرى تقوم بذلك بعد أن أعلنوا فشلهم في كلّ مرة وعلى أكثر من صعيد". الفكرة نفسها ركزت عليها آمال، معتبرة أنّ إصرار الجزائر على اعتذار فرنسا رسمياً عن الجرائم التي ارتكبتها في حرب التحرير تمسك لا معنى له في ظل العولمة التي كسّرت كل الحواجز بين الدول والحضارات. وقالت:"نحن نحتاج إلى تلك التوقيعات والمراسيم التي تنص على الشراكة والتعاون الاورومتوسطية، لا يمكن للدول المغاربية أن تحقق طفرتها الاقتصادية والحضارية بمفردها وهي بحاجة إلى من يمسك بيدها ليرفعها نحو الأعلى وها قد جاءتهم الفرصة التي لا تعوّض. كيف نطلب من فرنسا أن تعتذر عن جرائم قديمة جداً. لماذا تمكن الفرنسيون والألمان من تحقيق اتحادهم والانضمام إلى المنظمة الأوروبية على رغم أنهم عاشوا دائماً علاقة القط والفأر؟ لماذا نرفض نحن ذلك الآن؟". ما عنته هذه الطالبة هو الخطاب ذاته الذي حمله الرئيس الفرنسي للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة خلال جولاته الاقناعية، مشيراً إلى نجاح الاتحاد الأوروبي، وهو ما يسند هذا المشروع الجديد. لكن ومن جانب آخر تبقى الوعود مجرد كلمات فارغة في نظر قسم آخر ينظر الى الخطوة الفرنسية نظرة تشاؤمية تعتبرها ذات طابع استعماري بغطاء جديد. وهذا ما عبّر عنه سليم الذي ذكّر بتاريخ الرجل الأول في فرنسا والذي كان يرى في المهاجرين مجرد حثالة يضيقون الخناق على الدول الأوروبية المتقدمة. يدعم كمال هذه الفكرة الرافضة لهذه المبادرة، مشيراً إلى أنّ هذا المشروع هو أبعد من التطبيل الفرنسي الراغب في إيقاف أمواج الهجرة غير الشرعية وتحقيق الأمن والسلم في حوض البحر المتوسط وتوفير مساحة أكبر من المعاملات المساهمة في التنمية والتطور وكذا تسهيل تنقل الأشخاص بين ضفتي المتوسط لمختلف الأغراض والمطالب المتنوعة. ولكنه يخفي بين طياته رغبات استعمارية قديمة، بخاصة بعد فشل المشروع الأميركي في تحقيق الشرق الأوسط الكبير. بعد طول تردد حضر رئيس الجمهورية الجزائرية الاجتماع، وهو ما أثلج صدور الكثير من الشباب وزاد من طاقة اشتغال مخيلتهم في السفر والعمل والهجرة وتحقيق التنمية الشاملة، بخاصة بعد نجاح الاتحاد الأوروبي في مجالات عديدة، متناسين الفارق الكبير القائم بين الفضاءين، فيما تشاءم البعض الآخر من حضور الجزائر هذا التقليد الأوروبي في لمّ شمل الدول بعد أن عجز العرب عن تحقيقه ولو بين دولتين. وما فتح باب التفاؤل قليلاً هو تصريح مسؤول في الدولة أكد حضور الجزائر على أن تحتفظ لنفسها"بحق الانسحاب من المشروع بحسب الظروف والمستجدات".