تتواصل مشاورات أوروبية ومتوسطية مكثفة لاستكمال صياغة المشروع المتوسطي تمهيداً لاجتماع القمة في 13 تموز يوليو في باريس حيث ستطلق رسمياً"مسيرة برشلونة: الاتحاد من أجل المتوسط". وفي الصيغة تغيير لأصل فكرة"الاتحاد المتوسطي"التي كان أطلقها الرئيس الفرنسي خلال حملته الانتخابية في شباط فبراير 2007 ثم اقترحها رسمياً بعد توليه السلطة. وإذا كانت البلدان العربية المتوسطية رحبت بالمقترح الفرنسي مع تقييد النطاق الجغرافي للمشروع والتمسك بأولوية علاقاتها الثنائية مع الاتحاد الأوروبي، فإن البلدان الأوروبية، خصوصاً دول الشمال، رأت في أصل المشروع خطة تقسم الاتحاد الأوروبي وتخدم أغراض المؤسسات الفرنسية في منطقة يتزايد فيها تأثير كل من إسبانيا وإيطاليا. وقد تستند خلفية فكرة الرئيس ساكوزي إلى ماضي بلاده في المنطقة وقد يكون هدفه خدمة المصالح الفرنسية بدرجة أولى، وهو هدف مشروع، لكن الأهمية الأولى للفكرة انها سلطت الأضواء على مشاكل نقص التنمية والسلام في المنطقة. تشهد السواحل الشرقية للمتوسط أطول نزاع في التاريخ الحديث حول أرض فلسطين، والنزاع المتجدد في لبنان بكل ما فيه من تأثيرات وتداعيات خارجية ومشكلة انقسام قبرص. وتتميز المنطقة على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي باتساع الهوة بين الضفتين الشمالية والجنوبية حيث تتسع الفوارق من واحد إلى عشرة. وفي مقابل لقاء الانكسار السياسي في الجنوب فإن بلدان الشمال تتقدم في اتجاه اندماج اقتصادي وسياسي. وباستثناء إسرائيل، فإن دخل الفرد لا يتجاوز 3000 دولار في المنطقة الجنوبية للحوض المتوسطي مقابل 30000 في البلدان الأوروبية. وقال الرئيس ساركوزي في خطاب أمام طلاب تونسيين في نهاية الشهر الماضي"أن الضفتين الشمالية والجنوبية يفصلهما أكبر فارق في الداخل في العالم. وبينما لا تتجاوز مسافة مضيق جبل طارق 14 كيلومتراً فإن أكبر فارق في الدخل يفصل بين الضفتين. الهوة تزداد عمقاً وتحمل في ثناياها مآسي الغد". وتعد البطالة أكبر التحديات التي تهدد استقرار مجتمعات شمال افريقيا وتراوح بين 15 و25 في المئة بل تتجاوز، بحسب مصادر أكاديمية، نسبة الثلاثين في المئة في صفوف الشباب وخريجي الجامعات. وسيتواصل الضغط على سوق العمل جراء ارتفاع عدد السكان، وتقدر حاجات منطقة جنوب شرقي حوض المتوسط إلى نحو 40 مليون وظيفة في غضون العقدين المقبلين. وتعد الهوة عنصراً منفراً للمستثمرين ومدخلاً لتوسع النفوذ الاقتصادي والمنافسة الشديدة من القوى الاقتصادية الناشئة في آسيا. وبسبب ضعف الاندماج الإقليمي بين شمال حوض المتوسط وجنوبه من ناحية وكذلك بين دول الضفة الجنوبية نفسها فإن نصيب المنطقة من الاستثمارات الأوروبية المباشرة لم يتجاوز 2 في المئة. وهي نسبة ضعيفة للغاية مقارنة بوجود منطقة جنوب المتوسط في جوار الاتحاد الأوروبي، أكبر تكتل اقتصادي في العالم. وللمقارنة فإن الاستثمارات اليابانية المباشرة في جنوب شرقي آسيا تصل إلى 25 في المئة من إجمالها في العالم وتتجه بين 18 و20 في المئة من الاستثمارات الأميركية المباشرة نحو اميركا اللاتينية. ويزيد خط الانكسار الاقتصادي والاجتماعي في إرباك الوضع السياسي، وتواجه المنطقة تحديات أخرى تشترك فيها مع بقية دول الجوار الأوروبي والأفريقي تتمثل في المخاطر الأمنية الجديدة والعواقب السلبية للتغير المناخي إذ تعاني المنطقة أصلاً مشكلة نقص المياه. وتذكر تقديرات أن المنطقة المتوسطية تعد نسبة 4 في المئة من إجمالي السكان في العالم ولا تمتلك سوى 1 في المئة من الموارد المائية المتوافرة في العالم. وأمام مشهد اختلال التوازنات الديموغرافية والاقتصادية، فإن الانكسار الثقافي يبدو نتيجة بديهية. وبينما يحاول كثيرون استبعاد شبح الصراع بين الحضارات فإن البعض، مثل وزير الخارجية الفرنسية السابق هوبير فيديرين يرى ان المنطقة"دخلت منذ فترة حرب الحضارات". وتكتسب الهوة الثقافية أبعاداً عدائية تتمثل في تكرار الأعمال الاستفزازية ضد الثقافة والدين الإسلامي في أوروبا تقابلها في الجنوب التظاهرات العدوانية ضد الغرب المسيحي والاعتداءات المتكررة على المسيحيين. لهذا تبدو خيارات التعاون الإقليمي من خلال تكتل متوسطي، الأفق الوحيد الكفيل بتقريب أطراف الهوة. المبادرة الفرنسية: خلفية الأمن والارتجال واستعادة النفوذ يعد خطاب نيكولا ساركوزي خلال حملته الانتخابية في السابع من شباط في مدينة"تولون"الواقعة على ساحل المتوسط أحد المراجع لفهم المقترحات الفرنسية، والخطاب المطول لم يخل، في جزء منه من تكبر المستعِمر السابق وحنينه لماضيه. وتضمن الخطاب رؤية فرنسية تجمع البلدان الواقعة على ضفاف البحر الأبيض المتوسط، فقط، حول تحديات التنمية والأمن والبيئة والتنافسية الآسيوية. قال ساركوزي في خطاب تولون إن"الحلم الأوروبي يحتاج الى حلم متوسطي. وقد ضاق نطاق الحلم مع خيبة الفرسان الذين انطلقوا من أوروبا إلى الشرق، انه الحلم الذي دفع نحو الجنوب عدداً من الأباطرة الجرمان وعدداً من ملوك فرنسا، وهو أيضاً حلم نابليون بونابرت في مصر، وحلم نابليون الثالث في الجزائر والجنرال هوبير لويتو في المغرب. وهو ليس حلم غزوات وإنما حلم الحضارة". وأطنب الرئيس ساركوزي في خطابه عن براءة السكان الفرنسيين في الجزائر والدين الأخلاقي تجاه أبنائهم. ولا شك في أن الجزائريين وجدوا في الخطاب أكثر من سبب للتحفظ على الفكرة المتوسطية التي أطلقها الرئيس ساركوزي في أجواء انتخابية. وتمثل تحديات العولمة وتزايد النفوذ الآسيوي في أفريقيا مصدر قلق للأوروبيين عموماً والفرنسيين خصوصاً ودافعاً للبحث عن تكتل جديد يوسع النفوذ الأوروبي في اتجاه الجنوب. وقال ساركوزي في خطاب تولون ان"العالم يشهد بروز استراتيجيات قارية واسعة. وتدفع جغرافية العولمة أوروبا، الواقعة بين القارة الأميركية من ناحية وآسيا من ناحية أخرى، إلى وضع إستراتيجية أوروبية أفريقية يكون المتوسط مركزها". واقترح ساكوزي إقامة"اتحاد متوسطي يجمع البلدان الواقعة على سواحل البحر الأبيض ويتعاون وثيقاً مع الاتحاد الأوروبي"في مجالات مكافحة الهجرة السرية وحماية البيئة والطاقة والعلوم والتجارة. ويمثل هذا الاتحاد الموقع الطبيعي لتركيا التي تتطلع لعضوية الاتحاد الأوروبي. وكرر ساركوزي طوال حملته الانتخابية أن"لا مكان لتركيا في الاتحاد الأوروبي لأنها ليست بلداً أوروبياً. فهي بلد متوسطي ويمكن العمل معها على إنجاح وحدة المتوسط". وقد تكون القناعة الفرنسية ذاتها متواصلة في ظل إدارة الرئيس ساركوزي، لكن فرنسا لا تستطيع إيقاف مفاوضات العضوية بين تركيا وبلدان الاتحاد لأن انطلاقها بقرار من القمة الأوروبية ومصادقة البرلمان عليها. وكرر الرئيس ساركوزي، بعد توليه السلطة في أيار مايو 2007، الحديث في شكل منتظم عن دوافع المشروع المتوسطي. وقال في خطاب ألقاه في طنجة في 23 تشرين الأول اكتوبر 2007:"في المتوسط يتخذ قرار الحرب بين الحضارات أو السلم بينها، وفيه تتقرر المواجهة بين الشمال والجنوب أو لا، وهنا يتقرر ما إذا كان الإرهاب والتطرف والأصولية ستفرض على العالم أجندة العنف وانعدام التسامح. وهنا نفوز بكل شيء أو نخسر كل شيء". ولتفادي السيناريو المخيف في خطابات الرئيس الفرنسي حول تحديات المنطقة، تدعو فرنسا شعوب المتوسط إلى الاستفادة من تجربة تعاونها مع ألمانيا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وإقامة اتحاد لا يكون نسخة مطابقة للاتحاد الأوروبي لأن الظروف التاريخية والإقليمية مختلفة تماماً عما شهدته أوروبا. وتقترح أن يكون"الاتحاد المتوسطي عملياً ذا هندسة مرنة تتغير بحسب طبيعة المشاريع وحجمها. ومثلما انطلقت التجربة الأوروبية حول الفحم الحجري والفولاذ والطاقة النووية، فإن الاتحاد المتوسطي سيتركز حول التنمية المستدامة، والطاقة والنقل والمياه". وأوضح الرئيس ساركوزي في خطاب طنجة أن"الاتحاد المتوسطي، بحسب وجهة النظر الفرنسية، لا يختلط مع المسار الأوروبي المتوسطي مسيرة برشلونة لكنه لا يقوم على حساب أفريقيا أو ضد أوروبا. بل سيبنى الاتحاد بالتعاون مع أوروبا وأفريقيا". إلى هنا، اتضحت معالم المشروع المتوسطي وحدوده من وجهة نظر فرنسا. فالتجمع الجديد سيضم البلدان الواقعة على حوض البحر الأبيض المتوسط فقط، ويقوم على مشاريع إقليمية، ولن يكون نسخة مطابقة للاتحاد الأوروبي ولن يختلط بمسيرة الشراكة الأوروبية - المتوسطية. وفي ذلك أكثر من دافع لإثارة شركاء فرنسا داخل الاتحاد ضد هذا المشروع. تحفظات واعتراضات أوروبية إذا كانت موافقة البلدان المتوسطية في جنوب شرقي البحر الأبيض سهلة المنال بحكم الأبعاد والفوائد الإقليمية إذ اختار الرئيس الفرنسي المغرب لإطلاق دعوته، فإن ردود الفعل الأوروبية لم تكن بالقبول ذاته. بل قابلتها العديد من البلدان الأعضاء بالشكوك والقلق. اعترضت إسبانيا بشدة على فكرة الاتحاد خارج إطار مسيرة برشلونة التي كان وزير الخارجية ميغيل انخيل موراتينوس ضمن العناصر الفاعلة في إطلاقها في تشرين الثاني نوفمبر 1995. وكان موراتينوس حينها مسؤولاً في وزارة الخارجية، في إمرة خافيير سولانا، عن علاقات إسبانيا بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وردت اسبانيا على فرنسا بالحاجة إلى السير نحو إقامة"اتحاد أوروبي متوسطي"في المدى البعيد. ورأت ألمانيا ان المقترح الفرنسي سيدفع إلى تقسيم الاتحاد، فيما طالبت هولندا، خلال نقاشات الوزراء في لشبونة في تشرين الثاني 2008، بالمشاركة في الاتحاد المتوسطي"بحكم مصالحها المترتبة عن وجود نحو مليون مهاجر من تركيا والمغرب يعيشون مع مواطنيها". وتعرضت الفكرة لانتقادات شديدة لكنها تميزت بإثارة النقاشات في مختلف البلدان والمنتديات، شارك كاتب المقال في بعضها، حول التحديات التي تواجهها المنطقة في ظل التنافسية الدولية. وفي ندوة نظمتها مؤسسة"لقاءات متوسطية"في"سانت تروبي"، جنوبفرنسا، في 12 نيسان ابريل الماضي، ذكرت خبيرة ألمانية، استناداً إلى وجهة نظر بلادها، بأن"الفكرة تؤكد الحاجة إلى تعاون إقليمي بين دول المنطقة جنوب - جنوب وهناك تساؤل حول مدى تأثير الاتحاد المزمع على الإصلاحات السياسية في دول الجنوب". واشترط منظمو الندوة التكتم على ذكر أسماء المشاركين لضمان صراحة التفكير والرأي. وقالت الخبير الألمانية أن بلادها تعتقد أن"فرنسا أرادت الخروج من الإطار الأوروبي لخدمة مصالح المؤسسات الفرنسية". وانتقدت أيضاً مؤسسات الاتحاد الأوروبي وخصوصاً المفوضية"إذ كان موقفها ضعيفاً إزاء المقترح الفرنسي وبسبب سيطرة موظفين اسبان على دائرة العلاقات مع البلدان المتوسطية". وتشكك وزارة الخارجية الألمانية في جدوى المشروع"وتعارض زيادة الموارد المالية الأوروبية أو تحويل آلية تسهيل الاستثمارات"فيميب"وتعتقد ان القطاع الخاص لا يحتاج إلى إطار جديد مثل الاتحاد المقترح لينخرط في تطوير اقتصادات المنطقة". كما تلاحظ الدبلوماسية الألمانية"انعدام مساهمة البلدان العربية في المشروع". ولا تقبل ألمانيا أن تكون السكريتاريا الجديدة التي ستنشأ بعيدة أو منفصلة عن هياكل مسيرة برشلونة، وتفضل أن يكون مقرها في بروكسيل، بدلاً من تونس، على سبيل المثال. فوجودها في مقر الاتحاد الأوروبي يجعل مراقبة نشاطها أيسر بالنسبة الى مؤسسات الاتحاد الأوروبي خصوصاً إذا كانت الهيئة الجديدة ستكلف متابعة مشاريع إنمائية يساهم الاتحاد الأوروبي أساساً في تمويلها. وتفادت المفوضية الاعتراض على فكرة الاتحاد المتوسطي بعد أن اطمأنت على مشاركتها الكاملة في المشروع. وقارنت عضو المفوضية فيريرو فالدنير أهمية المشروع المتوسطي وتأثيره النسبي على الاتحاد الأوروبي بتجمع دول البلطيق واسكندنافيا وايسلندا. وقالت ان المشروع المتوسطي"سيكون بعداً جنوبياً للاتحاد مثل بعده الشمالي"المؤلف من الدول المذكورة. وقد يكون هذا الموقف سبب انتقاد ألمانيا ضعف المفوضية. ويقرن البعض مساندة رئيس المفوضية مانويل باروزو مبادرة الرئيس ساركوزي بتطلع الأول إلى مساندة الثاني دعم ترشحه إلى ولاية ثانية على رأس المفوضية في منتصف 2009. ويقبل الفرنسيون استنتاجات الباحثة الألمانية وغيرها من الذين يرون في المبادرة سعياً الى تعزيز دور فرنسا في منطقة نفوذها التقليدية. وتحدثت مسؤولة في رابطة أرباب العمل الفرنسية ميديف عن"إحساس رؤساء المؤسسات الفرنسية بمواجهة منافسة حادة من المؤسسات الإيطالية والإسبانية في بلدان جنوب الحوض المتوسطي". ولاحظت أن القطاع الخاص لم يضطلع بدور ما في وضع مسيرة برشلونة في 1995. وهناك تساؤل حول الربط بين الاتحاد المتوسطي وسياسات الاتحاد الأوروبي وآلياته، مثل خطة الشراكة الأوروبية المتوسطية وبرامج سياسة الجوار الأوروبية". وتوجه مصادر تهمة"الارتجال"إلى مستشار الرئيس وكاتب خطاباته هنري غينو"وقد حكم فيها على مسيرة الشراكة بالفشل مثلما استبعد في الصيغة الأولى من تصوره بلدان الاتحاد الأوروبي غير المتوسطية". وينسب إلى هنري غينو"الانتماء إلى دوائر السيادة الفرنسية ضد المشروع الاندماجي الأوروبي، لذلك عمد الى تصور إقليمي يخدم المصالح الفرنسية". وأمام شدة الانتقادات الأوروبية لفكرة الرئيس الفرنسي، استنتج البعض"وجود تخبط في الدبلوماسية الفرنسية مثل تخليها عما كان يعرف بالسياسة العربية لفرنسا وتجاهل دور ألمانيا في الاتحاد الأوروبي وعدم التحضير للمشروع من خلال إشراك نخب دول الجنوب في النقاش التمهيدي". تعويم المبادرة وتفعيل مسيرة برشلونة وأمام تعرضها لانتقادات السعي من أجل تعزيز مصالح مؤسساتها أمام منافسة المؤسسات الاسبانية والايطالية في جنوب حوض البحر الأبيض وانتقادات ألمانيا وعدد من الشركاء داخل الاتحاد اضطرت فرنسا الى التراجع وتقبلت باريس صوغ الأفكار في نطاق خطة برشلونة ومشاركة بلدان الاتحاد ال27. ووافقت القمة الأوروبية في منتصف شهر آذار مارس الماضي على صوغ المشروع الجديد في نطاق مسيرة الشراكة الأوروبية - المتوسطية، عكس ما كان يرغب ساركوزي. كما تغير شكل القمة التي دعت فرنسا إلى عقدها في باريس بين البلدان الواقعة على ضفاف حوض البحر الأبيض المتوسط وتوسيعها لاحقاً إلى قمة أوروبية متوسطية. لكن ألمانيا رفضت الصيغة في شكل قاطع ووافقت على عقدها في 13 تموز في باريس وفق صيغة موسعة. وستشارك فيها البلدان الأوروبية ال27 والمتوسطية ال12 وكذلك البلدان الأوروبية غير الواقعة على ضفاف الحوض المتوسطي مثل دول البلقان. وعكس كلام الرئيس الفرنسي في 29 نيسان 2008 في تونس قبوله الصيغة الوسطية التي توصل إلى وضعها مع المستشارة انغيلا مركل وعرضت على القمة الأوروبية في آذار الماضي. وقال إن"فرنسا لا تتجاهل المكاسب التي تحققت في نطاق مسيرة برشلونة وإنما تريد استخلاص العبرة من نواقص مسيرة برشلونة لإطلاق مسيرة جديدة تتضمن ما تحقق في برشلونة زائداً العبرة منها". وتعمل المفوضية الأوروبية بتكليف من المجلس الأوروبي القمة منذ آذار الماضي على صوغ الجوانب الإجرائية والهياكل التي ستنشأ والمشاريع المزمعة وآليات التمويل. "مسيرة برشلونة: الاتحاد من أجل المتوسط" تتفق الأطراف الحكومية وغير الحكومية على نجاح خطة برشلونة في إقامة شبكة اتفاقات ثنائية مكنت دفع الإصلاحات الاقتصادية في شكل ناجح في بلدان مثل المغرب وتونس والأردن. لكن الجميع يوافق أيضا على محدودية البعد السياسي لهذه الاتفاقات وعدم تأثير خطة الشراكة في الوضع السياسي في الجنوب. وثمة توافق على التأثيرات السلبية لانعدام السلام في الشرق الأوسط، وتبعات غياب الاندماج العربي على أداء مسيرة الشراكة الأوروبية المتوسطية. وترى المفوضية أن"هدف المبادرة الجديدة يتمثل في تحسين العلاقات المتعددة الأطراف، وتعزيز أساليب العمل وأدواته، وأن تكون نتائج المسيرة ملموسة لدى المواطنين". لذلك، وبصرف النظر عن الجدال حول خلفيات وأهداف المقترح الفرنسي، فالحقيقة أنه فتح نقاشات مفيدة حول القضايا التي تواجه بلدان شرق حوض البحر الأبيض وموقع اوروبا في مثابة"المتفرج على من يصارع الأمواج". وستعطي القمة الأوروبية المتوسطية بعض الزخم السياسي للارتقاء بمستويات الشراكة علها تغري المستثمرين. ومن المقرر أن تكتمل المشاورات بين البلاد الأوروبية والمتوسطية في غضون منتصف أيار الجاري على أن تقدم المفوضية إلى الوزراء ورقة في نهاية هذا الشهر تضمنها التحليل والمقترحات العملية وأدوات التمويل المتوافرة والمحتملة. ثم تعرض الورقة على القمة الأوروبية للمصادقة عليها في منتصف حزيران في بروكسيل، قبل شهر من اجتماع القمة في باريس. وينتظر أن"تطلق القمة إشارة واضحة للارتقاء بعلاقات الشراكة إلى مستوى سياسي. وينتظر أن توافق على دعوة الزعماء إلى الاجتماع مرة كل عامين"لكن، من دون إبرام معاهدة أو أي وثيقة قانونية ملزمة. وستصدر قمة باريس بياناً سياسياً وقائمة بالمشاريع الإقليمية. وسيطلق رؤساء الدول والحكومات رسمياً"مسيرة برشلونة: الاتحاد من أجل المتوسط"ويحددون هياكلها وأهدافها ويتفقون على اعتماد قاعدة الإجماع في اتخاذ القرارات. وستعلن القمة قائمة المشاريع الإقليمية التي عرضها الرئيس الفرنسي في خطابه في الجامعة التونسية في 30 نيسان 2008، ومنها"مشكلة اقتسام المياه وإدارة الموارد المائية حيث تعاني كل بلدان المتوسط من مشكلة المياه، مشاريع تنظيف المتوسط من التلوث وهو أمر حيوي بالنسبة الى جميع شعوب المنطقة، خطة تطوير الطاقة الشمسية، الطاقة النووية ومقترح فرنسا التفكير في إنشاء هيئة إقليمية تسهل نقل التكنولوجيا والخبرات النووية الضرورية للمساعدة في إدارة مشكلة النفايات وأمن الطاقة النووية المدنية، الخطوط السريعة البحرية، أمن الملاحة البحرية والحماية المدنية، إيجاد حيز علمي متوسطي عبر التعاون بين الجامعات وتعزيز حرية تنقل الطلاب، الإدارة المشتركة لتيارات الهجرة". وتتواصل المشاورات حول طبيعة عمل الأمانة المقترحة ومقرها وموقعها ضمن آليات الشراكة الأوروبية المتوسطية. وتقترح فرنسا إحداث أمانتين، مقر الأولى في أوروبا والثانية في إحدى عواصم دول الجنوب. ويتردد أن تونس قد تحتضن أمانة المشروع في الجنوب. ويحذر خبراء في بروكسيل من أن تتحول الأمانة الجديدة إلى هيكل بيروقراطي إضافي يزيد في ثقل إدارة المشاريع. ووجودها في بلد من بلدان الجنوب يجعل مراقبتها صعبة بالنسبة الى المؤسسات الأوروبية مثل البرلمان الأوروبي الذي يمتلك صلاحيات كبيرة في مجال الموازنة والمسائلة عن إنفاقها. وبينما تحدثت مصادر عن اختيار شخصية مغربية ليكون الأمين العام عن دول الجنوب، فإن ألمانيا، التي كانت ترددت عند إطلاق الفكرة، ترغب في تولي الأمانة العامة عن الجانب الأوروبي. وتبقى الأسئلة الجوهرية قائمة حول الموارد المالية التي تمثل عصب المشروع. ويعتقد دبلوماسيون فرنسيون بأن تمويل المشاريع الإقليمية لا يمثل مشكلة. لأن الموارد المالية متوافرة في المنطقة نفسها، لدى القطاع الخاص والبلدان النفطية. وقال ساركوزي ان"المشروع المهم يستقطب الاستثمار". وفي المقابل، ترى دول الجنوب أن توافر الموارد المالية والاستثمارات المباشرة ستكون المعيار الأساسي للنجاح، وتطالب منذ أعوام بإنشاء مصرف متوسطي لتمويل مشاريع التنمية الإقليمية. لكن دول الشمال تقابلها برفض ضخ موارد إضافية من موازناتها، كما ترفض دول الشمال تحويل آلية تسهيل الاستثمار التابعة للبنك الأوروبي للاستثمار إلى مصرف إقليمي متوسطي، وهي بذلك تحد من أفق المشروع المتوسطي وتتركه في نطاقه التقليدي، بصرف النظر عن تسميته الجديدة والهياكل التي ستُستحدث. من يتولى بعد مبارك رئاسة "الاتحاد" ؟ لتعزيز مشاركة دول الجنوب في آليات القرارات، تجرى المشاورات حول مقترح رئاستين، واحدة عن الشمال والأخرى عن الجنوب، وأمانة لمتابعة تنفيذ التوصيات والمشاريع. وبالنسبة الى الرئاسة الأوروبية فستعهد لفرنسا في النصف الثاني من هذا العام كونها تترأس الاتحاد لكنها الرئاسة ستحدد لاحقاً وفق مقتضيات معاهدة لشبونة التي تدخل حيز التنفيذ في 1 كانون الثاني يناير 2009. وتضم الرئاسة الأوروبية للمشروع رئيس الاتحاد ورئيس المفوضية والممثل الأعلى للسياسة الخارجية. وتتولى بلدان جنوب شرقي حوض المتوسط مسألة اختيار رئيس لها. وهنا تكمن المشكلة. وإذا بدا الخيار سهلاً عند انطلاق المسيرة بعدما اقترحت فرنسا تولي الرئيس حسني مبارك رئاسة المشروع المتوسطي إلى جانب الرئيس ساركوزي، غداة قمة باريس، فإن التعقيدات ستبرز لاحقاً. هل يصوت الإسرائيليون لرئيس عربي لا تربط دولته علاقات مع الدولة العبرية؟ وهل يصوت العرب لمرشح إسرائيل إذا تقدم لترؤس المشروع؟ أم أن الطرفين سيتحفظان عن الترشح ويتركان الكرسي لتركيا أو لبلد أوروبي من البلقان؟. وقد برزت التعقيدات الأولى قبل انطلاق المشروع، فلكل من البلدان العربية موقفه ولكنها تتفق على الحاجة إلى إبقاء قضية النزاع العربي - الإسرائيلي على الطاولة المتوسطية، وما لم تحل المشكلة فإن الحديث عن التعاون الإقليمي قد يظل حبراً على ورق كما في مسيرة برشلونة. وبسبب انعدام السلام، يستبعد حضور العقيد معمر القذافي الطاولة الباريسية حيث يجلس رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت. كما يصعب تصور حضور الرئيس السوري القمة الأوروبية - المتوسطية في ظل جمود علاقات بلاده مع فرنسا، وهناك صمت جزائري يعكس انعدام حماسها للمشروع وتساؤلاتها عن القيمة المضافة التي سيوفرها مقارنة بالسياسات الإقليمية الأخرى. وفي المقابل فإن المغرب وتونس ساند المبادرة الفرنسية.