المملكة تعزّز جهود العمل المناخي خلال منتدى مبادرة السعودية الخضراء 2024    وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية يكرم شركة المراعي في الحملة الوطنية للتدريب «وعد»    رئيس وزراء منغوليا يستقبل الأمير تركي بن محمد بن فهد    محافظ جدة يكرِّم 21 طالباً وطالبة من الفائزين بجائزة «صناعيو المستقبل»    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على والدة الأمير فهد بن عبدالله بن عبدالمحسن    الصين تدعو مواطنيها في كوريا الجنوبية إلى توخي "الحذر"    مستشفى الرعاية المديدة بالرياض يعزز تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة في بيئة العمل    مدرب ليفربول: لن نتعجل عودة أليسون من الإصابة    فرع الإفتاء بمنطقة جازان يطلق مبادرة اللحمة الوطنية"    إطلاق خدمة الامتثال بالتأمين الصحي للمنشآت في المملكة    صدور موافقة خادم الحرمين على منح وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الثالثة ل 72 مواطنًا ومواطنة لتبرعهم بأحد أعضائهم الرئيسة    إسرائيل تحذر: لن نميّز بين لبنان وحزب الله حال انهيار الهدنة    مدير تعليم الطائف التطوع قيمة إسلامية ومطلب مجتمعي    الشورى يقر دراسة إعادة جدولة القروض العقارية للمتقاعد وفقاً لراتبه    جمعية أصدقاء البيئة تشارك في مؤتمر الأطراف COP16 بالرياض    نائب أمير مكة يشهد توقيع مذكرة تعاون بين الإمارة وجامعة الطائف    التحالف ينفي تصريحات ومزاعم القيادي الحوثي حول جثمان شقيقه    قطاع ومستشفى تنومة يُفعّل"اليوم العالمي للسكري"    الإتحاد يعلن تطورات إصابات هوساوي وبيرجوين    المملكة نموذج عالمي للإصلاحات.. اتفاقية استراتيجية مع البنك الدولي لإنشاء مركز عالمي للمعرفة    وزير الدولة للشؤون الخارجية يلتقي وزيرة المناخ البريطانية    تشكيل الهلال المتوقع ضد الغرافة    «التجارة»: السجن والتشهير بمواطن ومقيم ارتكبا جريمة التستر في المقاولات    الهيئة الملكية لمحافظة العُلا تعلن زراعة 500 ألف شجرة وشجيرة    مجمع إرادة بالرياض: المضادات الحيوية لها تأثيرات نفسية تصل إلى الذهان    الصندوق العقاري يمنح مستفيدي الإقراض المباشر قبل عام 2017 خصمًا يصل %24 في حالة السداد المبكر    مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف يستقبل طلاب البحرين    المياه الوطنية: إغلاق جزئي لشارع 18 بحيّي القزاز والعدامة لتنفيذ مشروع تحسين جودة مياه الشرب بالدمام    مذكرة تفاهم بين هيئة الصحفيين بمكة وجامعة جدة وكلية جدة العالمية للتدريب والتطوير    أكثر من 60 مفكرًا يشاركون في مؤتمر الرياض الدولي للفلسفة الخميس المقبل    سفير قطر بالمملكة: التأييد الدولي التاريخي لملف استضافة المملكة لمونديال 2034 يؤكد مكانتها المرموقة    هلال جمادى الآخرة يُزين سماء الوطن العربي اليوم    إصابة خمسة فلسطينيين في قصف إسرائيلي على مدينة دير البلح    الكلية التقنية تكرم فرع الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف بجازان    أمير القصيم يتفقد محافظة النبهانية ويناقش احتياجاتها مع الأهالي والمسؤولين    أمير القصيم يكرم عددًا من رجال الأمن المتميزين في شرطة محافظة النبهانية    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين ونيابة عنه.. نائب أمير مكة المكرمة يرعى الملتقى العلمي لأبحاث الحج والعمرة    يجمع بين رواد الحِرف اليدوية من مختلف الدول.. «بنان».. تعزيز التفاهم الثقافي بين الشعوب    مبادرات إنسانية    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 27 إلى لبنان    «إكس» تميز الحسابات الساخرة بملصق خاص    أهمية الداش كام وكاميرات المراقبة المنزلية    تطبيقات توصيل الركاب ما تزال غير آمنة    وزير الدفاع يستعرض مع منسق الأمن القومي السنغافوري التعاون المشترك    روسيا: الدولار يفقد جاذبيته عملةً احتياطيةً    تعليم سراة عبيدة يحتفي باليوم العالمي للطفل    البشر القدماء يمتلكون رؤوسا كبيرة    ولي العهد والرئيس الفرنسي يشهدان مراسم توقيع مذكرة تفاهم بشأن تشكيل مجلس الشراكة الاستراتيجي بين حكومتي المملكة وفرنسا    تامر يكشف سراً مع أليسا عمره 12 عاماً    أطباء في جدة يناقشون أسباب إصابة 17.9 % من البالغين بالسكر    لا تنحرج: تجاهلُها قد توصلك للموت    5 أغذية تصيبك بالكسل    محمد بن عبدالرحمن يلتقي مسؤولي "مكنون"    أدب القطار    بيولي يُبرر خسارة النصر أمام السد    وزير الدفاع يبحث مع الوزير المنسق للأمن القومي السنغافوري الأوضاع الإقليمية والدولية    رحم الله الشيخ دخيل الله    الشؤون الإسلامية تواصل تنفذ جولاتها الرقابية على الجوامع والمساجد بأبي عريش وفيفا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التأسيس مبدئياً في حزيران 2008 وردود الفعل متفاوتة في الضفتين الشمالية والجنوبية . اقتراح ساركوزي "الاتحاد المتوسطي" ... نحو جغرافيا تتعدى الشراكة مع أوروبا
نشر في الحياة يوم 08 - 11 - 2007

يثير المقترح الفرنسي حول الاتحاد المتوسطي اهتماماً متزايداً في صفوف البلدان المعنية في جنوب شرقي حوض البحر الأبيض المتوسط ولدى البلدان الأوروبية. والمبادرة التي قدمها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي خلال زيارته الأخيرة الى المغرب تطرح أسئلة كثيرة من دون أن توفر الاجابات الكافية. فما هو مفهوم المبادرة وما مضمونها والآليات المالية التي ستوفرها لتنفيذ المشاريع الاقليمية؟ ما هي القيمة المضافة التي ستؤمنها زيادة عن المشاريع المدرجة في نطاق خطة الشراكة الاوروبية المتوسطية؟ وإذا كانت خطة الشراكة تعاني، منذ انطلاقها، من تداعيات أزمة النزاع العربي الاسرائيلي فكيف سينجو الاتحاد المقترح من تبعاتها؟ وأيضاً، ألا تهدف المبادرة الى تعويم تركيا داخل الاطار المتوسطي بديلاً لمستقبل عضويتها في الاتحاد الأوروبي؟
كان ساركوزي اختار زيارته الى المغرب في تشرين الأول اكتوبر الماضي لالقاء خطابه المتوسطي الذي استخدم العبارات والصور الشعرية حين قصد شعوب المنطقة بالقول:"... إلى كل المتوسطيين، إلى الشعوب التي تعيش في معجزة هذا الضوء الذي أنار أجمل أحلام الانسانية... أقول إن الوقت قد حان لجمع القوى والقلوب من أجل بناء الاتحاد المتوسطي لأن ما يجري في المنطقة أمر حاسم... هناك يتقرر ما اذا كانت الحضارات والأديان ستخوض في ما بينها اشد الحروب وما اذا كانت المواجهة بين الشمال والجنوب ستنفجر أو إن الإرهاب والتطرف والأصولية ستفرض على العالم سجل العنف والكراهية"... ذاك بعض ما قال الرئيس الفرنسي عن دعوته زعماء بلدان حوض الأبيض المتوسط لإنشاء اتحاد إقليمي يجمع عناصر القوة الاقتصادية والتنوع ويكون في مثابة الجسر الثقافي المشترك بين الغرب والشرق و بين اوروبا وافريقيا. ودعا الرئيس ساركوزي زعماء المنطقة الى الاجتماع في فرنسا في حزيران يونيو 2008 لاعلان تأسيس الاتحاد.
وتكتسب مبادرة ساركوزي أهمية كبيرة لجهة الاستحقاق السياسي والاستراتيجي كونها تتعلق بمستقبل منطقة التحديات الاقتصادية والأمنية فضلاً عن خلل التوازن بين الضفتين الشمالية والجنوبية للمتوسط. وتكتسب المبادرة أهمية خاصة لجهة ردود الفعل التي تثيرها في صفوف شركاء فرنسا داخل الاتحاد وكذلك بلدان الضفة الجنوبية.
حماسة مغربية وصمت جزائري
وفي انتظار اجتماع وزراء خارجية الاتحاد المغاربي في نهاية الشهر الجاري في الرباط فان ردود الفعل الأولية على مبادرة ساركوزي لا تزال متفاوتة في درجات الترحيب والحذر. وكان العاهل المغربي محمد السادس حدد مبدأ التعاطي مع المبادرة الفرنسية ورد على ساركوزي في المناسبة نفسها واعتبر الاتحاد المتوسطي"مشروعاً مستقبلياً وجريئاً"، وأكد استعداد المغرب للتعاون مع فرنسا"من أجل استكشاف الإمكانات التي من شأنها دعم هذا الطرح غير المسبوق". ويرى العاهل المغربي ان"المبادرة ستضع من دون شك أسس ميثاق جديد بين اوروبا وافريقيا يكون الاتحاد المتوسطي محركه".
ويرشح المغرب لدور مميز في المشروع المتوسطي بحكم موقعه على بعد 15 كيلومتراً فقط عن سواحل اسبانيا وارتباطه الوثيق بالاقتصاد الاوروبي وتطلعاته للاندماج أكثر فأكثر في السوق الاوروبية، وكذلك بفعل علاقاته مع بلدان الساحل الافريقي. ويمثل المغرب، مثل بقية بلدان شمال افريقيا، الممر لتيارات الهجرة السرية نحو اوروبا والطريق الذي يسلكه الآلاف عبر الصحارى والجبال للرسو على شواطئ الرفاه الأوروبي. كثيرون تعتقلهم قوات الأمن وكثيرون يعبرون للغرق في البحر والبعض يصل معدوماً إلى موانئ الرفاه. وفي انتظار نضج صيغ التعاون الاقليمي بين البلدان المغاربية، إذا حلت مشكلة الصحراء الغربية، أو في اطار المبادرة الفرنسية للاتحاد المتوسطي، فان المغرب يراهن على الاندماج أكثر فأكثر داخل السوق الأوروبية. ولم يتردد عن الانخراط في خطة سياسة الجوار الأوروبية التي أطلقها الاتحاد في 2004 بعد توسعه شرقاً. وتمكن الخطة جيران الاتحاد من الاندماج في السوق الأوروبية والمشاركة في البرامج العلمية والتكنولوجية. وتفتح الخطة فرص الاندماج الكامل باستثناء أفق العضوية. وقال العاهل المغربي رداً على الرئيس الفرنسي في خطاب طنجة إن بلاده تتمسك"بتطلعها المشروع الحصول على صفة متقدمة"في علاقاتها بالاتحاد الأوروبي.
وترحب الجزائر بالمبادرة الفرنسية ولكن، من دون الحماسة لدعمها لأسباب كثيرة، منها ما يتعلق بتاريخ العلاقات بين البلدين والصعوبات التي يواجهانها في حسم الإرث الاستعماري المؤلم. فالجزائريون لا يطالبون فرنسا بالتعويض عن جرائم الاستعمار لكنهم ينتظرون مبادرة متقدمة تكفي لطي صفحة الماضي، وهو ما يرفضه ساركوزي وما يفسر تباعاً بعض دوافع الصمت الجزائري على مبادرة الاتحاد المتوسطي. وعلى الصعيد الاقتصادي، ترتبط الجزائر بالأسواق الأوروبية والعالمية في شكل عام لتسويق منتجات الطاقة، وهي بنت شبكات أنابيب لتصدير الغاز من طريق تونس إلى ايطاليا ومن طريق المغرب نحو اسبانيا، إضافة إلى قدرات تصدير الغاز المسيل من موانئ الشمال في اتجاه أسواق المانيا وبلجيكا وهولندا. ويجمع الاوروبيون على أهمية الدور الجزائري كواحد من كبار مزودي السوق الاوروبية بالطاقة، إلى جانب روسيا والنروج. وتحسباً لزيادة ارتفاع الطلب على الطاقة يجري الخبراء الجزائريون ونظراؤهم في الاتحاد مباحثات لوضع مذكرة تفاهم حول التعاون الاستراتيجي الثنائي في مجال الطاقة. ويلاحظ مراقبون أن الجزائر تستفيد من ارتفاع أسعار الطاقة ولا تحتاج الى معونات مالية من الاتحاد الاوروبي بقدر ما هي في حاجة الى الخبرات التقنية في مجالات دعم المؤسسات الصغرى والمتوسطة. وعلى عكس غالبية بلدان جنوب شرقي الحوض المتوسطي فان الجزائر لم تنخرط في سياسة الجوار الأوروبية، لذلك لا يتوقع المراقبون تغيراً ملحوظاً تجاه مبادرة ساركوزي أقله في ظل الظروف الحالية.
أما تونس فقد يقترب موقفها من موقف المغرب تجاه دعوة ساركوزي. فهي كانت أول بلد وقع اتفاقية الشراكة الأوروبية المتوسطية مع الاتحاد الاوروبي، واستفادت إلى قدر كبير من المعونات المالية لدفع الاصلاحات الاقتصادية. لكن الديبلوماسية التونسية ابطأت الخطى عندما عرض عليها الانخراط في سياسة الجوار الأوروبية، وحذرت في شكل خاص من الضلوع في مسيرة تفتح الباب أمام المؤسسات الأوروبية لمراقبة الاصلاحات السياسية في البلاد. وقد تكون تونس معنية أكثر بتقوية علاقاتها الاقتصادية مع الاتحاد الاوروبي الذي يظل شريكها الرئيس سواء لاستيعاب الصادرات أو لاستضافة ملايين السياح الاوروبيين.
ولا تنتمي ليبيا الى الشراكة الاوروبية المتوسطية التي انطلقت في برشلونة عام 1995، وليست عضوة في خطة سياسة الجوار التي أطلقها الاتحاد الأوروبي في 2004. ولا يزال الخبراء من الجانبين الأوروبي والليبي في بداية استكشاف فرص ابرام"اتفاق خاص". وتتوقع مصادر ديبلوماسية ان يتركز الاهتمام الليبي على الجوانب الاقتصادية والتزود بالعتاد الأمني، وفي المقابل فان الأوروبيين سيحاولون ادماج البنود السياسية ومسائل احترام القانون الدولي والمواثيق الانسانية في الاتفاق. وعلى رغم الصداقة الجديدة التي ولدت عن حل أزمة الممرضات وصفقة مبيعات الأسلحة فان ليبيا قد تتمسك برفض الاندماج في الهياكل المتوسطية. وتقترح ليبيا على الاتحاد الاوروبي التعاون معها لحل مشاكل النزعات الإقليمية في افريقيا.
وبلدان المغرب العربي تحولت، في غضون السنوات الماضية، من منطقة عبور للهجرة الافريقية إلى محطة نهائية بالنسبة الى الكثيرين من الأفارقة، ما يزيد في الثقل على البنى التحتية الاجتماعية في كل من المغرب وتونس والجزائر وموريتانيا وليبيا. ولم يتردد مسؤولون في المانيا وايطاليا والمفوضية الأوروبية من الحديث، خلال احتداد أزمة الهجرة الافريقية عبر البحر الأبيض المتوسط، عن إقامة مراكز لتجميع المهاجرين في بلدان شمال افريقيا. ويوفر هذا الحل على المؤسسات الاوروبية الكلفة السياسية والاجتماعية وكذلك عناء انتقادات منظمات حقوق الانسان. وفي المقابل فان بلدان شمال افريقيا مدعوة أكثر فأكثر الى مضاعفة جهود مراقبة الحدود وصد الوافدين من عمق الصحراء. وبينما حصل المغرب على معونة أوروبية بقيمة اربعين مليون يورو لتجهيز وتدريب الدوريات الأمنية فان ليبيا، في الطرف الآخر من المنطقة، تطالب بتسهيلات تزودها التجهيزات العسكرية والأمنية الضرورية لمراقبة ما لا يقل عن 6000 كيلومتر من الحدود مع البدان الافريقية و2000 كيلومتر على طول الساحل. وتحذر تونس من مقترحات تجميع المهاجرين الأفارقة في الأراضي التونسية وتفضل صيغة التعاون على الصعيد الثنائي مع البلدان المجاورة.
ويشير اللقاء الذي عقدته الترويكا الأوروبية الرئاسة البرتغالية، وسلوفينيا والمفوضية مع وزراء خارجية الاتحاد المغاربي في الخامس من الشهر الجاري في لشبونه إلى وجود رغبة سياسية لدى الجانبين بتفعيل الحوار، بما يساعد في دفع محاولات الاندماج الاقليمي. ويعد اللقاء الأول منذ 1991 وعقد بطلب من بلدان شمال افريقيا، وجدد وزير الخارجية البرتغالي لويس امادو استعداد الاتحاد الأوروبي المساعدة في تفعيل المسيرة المغاربية"التي لم تكن في مستوى الآمال التي أثارتها. وتتوافر الرغبة السياسية لدى الاتحاد الأوروبي لاستئناف الحوار السياسي مع الاتحاد المغاربي". ويمثل نقص التعاون بين البلدان المغاربية أمراً سلبياً. وقالت عضو المفوضية الاوروبية بينيتا فيريرو إن الاتحاد الأوروبي"يرغب في تقديم قيمة مضافة الى التجربة المغاربية"إذ تواجه المنطقة والاتحاد الاوروبي معاً تحديات التغير المناخي والطاقة والهجرة السرية.
وتبلغ نسبة التجارة البينية بين البلدان المغاربية 3 في المئة من اجمالي مبادلاتها الخارجية غالبيتها بين تونس وليبيا. وقال رئيس الوفد المغاربي إن التقارب بين الاتحادين المغاربي والأوروبي يخدم أغراض مسيرة برشلونة ويساعد في مواجهة تحديات التصحر والهجرة والاستثمار وخلق فرص عمل.
أزمة الشرق الأوسط وتعويم دور تركيا
وتعلم بلدان المنطقة صعوبات الاندماج الاقليمي على الصعيد المتوسطي بسبب تعثر السلام في الشرق الأوسط. ويعد نقص التعاون في ما بين دول الجنوب أحد نواقص الشراكة الاوروبية المتوسطية. وتمثل اجتماعات الشراكة إطاراً لوجود العرب المتوسطيين والاسرائيليين إلى جانب الاوروبيين، لكن ذلك لم يؤثر ولم يساعد في حلحلة النزاع. بل إن اجتماعات الشراكة تتحول أحياناً إلى سجالات"كانت سبب تلوث نقاشات الشراكة". والوضع على حاله منذ انعقاد مؤتمر برشلونه في 1995 حتى آخر اجتماع وزاري عقد في مطلع الشهر الجاري في لشبونه. واذا كانت هذه الحال اليوم فلماذا تتغير في نطاق الاتحاد المتوسطي؟
ويتوقع أن تبذل الديبلوماسية الفرنسية جهوداً مكثفة تجاه عواصم المنطقة في غضون الأشهر التسعة التي تفصل عن انعقاد القمة المتوسطية ربما في مرسيليا في حزيران يونيو 2008. ونسبت مصادر ديبلوماسية إلى مصر دعم المبادرة الفرنسية والاستعداد للمشاركة في إنجاحها. وقد تناسب المبادرة تطلعات مصر إلى الاضطلاع بدور أكبر على الصعيد المتوسطي والانخراط في المشاريع الاقتصادية والبيئية التي قد تبرز في غضون المرحلة المقبلة. وقال ساركوزي في خطاب طنجة إن"الاتحاد المتوسطي سيكون اتحاد المشاريع من أجل أن يكون حوض البحر الأبيض أكبر مختبر للتعاون والتحكم معاً في التنمية وفي حرية تنقل الأشخاص، والحيز الذي ينظم داخله الأمن الجماعي". وبحكم الدفء الذي يسود العلاقات بين اسرائيل وفرنسا في العهد الجديد، فان الدولة العبرية قد تتحمس لانجاح مبادرة ساركوزي. كما يصعب على لبنان تناسي الدور الفرنسي في عهد ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري. لكن الموقف السوري سيظل لغزاً. فدمشق قد ترفض الانخراط في الاتحاد المتوسطي وهي تنفرد إلى الآن بعدم توقيعها اتفاقية الشراكة الاوروبية المتوسطية. وتمثل فرنسا العقبة الرئيسية أمام سورية بسبب موقف الأخيرة من الوضع في لبنان.
ولتركيا حسابات دوافع وتطلعات مختلفة عن بقية بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط. فهي بلد متوسطي وآسيوي وأوروبي. وهي بلد مرشح لعضوية الاتحاد الأوروبي على رغم تحفظ الكثيرين على هويتها وفي مقدمهم الرئيس ساركوزي. وكان الأخير جاهر خلال حملته الانتخابية وفي خطاب توليه مقاليد الحكم في أيار مايو 2007، بمعارضته انضمام تركيا لعضوية الاتحاد واقترح عليها"إقامة شراكة مميزة"مع الاتحاد ودوراً متقدماً في"الاتحاد المتوسطي". ويعتقد كثيرون أن تعويم تركيا داخل الاتحاد المتوسطي كان أحد الدوافع الرئيسية للمبادرة الفرنسية. لكن لفرنسا دوراً وموقفاً ضمن 27 بلداً هم أعضاء الاتحاد. وقد يتفق المحافظون في كل من المانيا وفرنسا حول النظر إلى تركيا من زواية الهوية الإسلامية وتحديد الموقف إزاء تطلعاتها وفق معايير ثقافية ايديولوجية. لكن تركيا تحظى في المقابل بدعم العماليين والمحافظين في بريطانيا ومساندة ايطاليا واسبانيا وحتى بولندا المسيحية جداً. وإذا توصلت تركيا في مستقبل قريب الى حل مشكلة الأقلية الكردية بالوسائل السياسية فانها ستسفيد من دعم بلدان اسكندنافيا تطلعات انضمامها للاتحاد، لذلك فان أنقرة لن تثير عقبة أمام المشروع المتوسطي للرئيس الفرنسي لكنها قد لا تجد فائدة في دفعه.
الجمعية البرلمانية المتوسطية
وستتواصل نقاشات مقترح"الاتحاد المتوسطي"بين النواب في البلدان المعنية. ويتزامن الجدل مع الجهود الجارية تمهيداً لاجتماع الدورة الثانية للجمعية البرلمانية المتوسطية أيام 21 و 24 من الشهر الجاري في مالطا. وتضم الجمعية نوباً يمثلون برلمانات البلدان الواقعة في حوض البحر الأبيض المتوسط. وقال الأمين العام سيرجيو بياتزي انها تمثل الاطار المناسب الذي يمكن ممثلو شعوب المنطقة من"تحديد أجندة القضايا والتحديات التي تمسها". ويمثل كل من برلمانات البلدان المتوسطية خمسة نواب في جلسات الجمعية التي كانت عقدت دورتها الأولى في عمان في ايلول سبتمبر 2006. ويتوزعون على ثلاث لجان: مسائل الأمن والتنمية وحماية البيئة والحوار بين الثقافات. ويمثل تنشيط الجمعية البرلمانية دليلاً إضافياً الى أهمية النقاشات التي تخوضها المنتديات حول التحديات التي تواجه المنطقة. وقال الأمين العام سيرجيو بيازتزي إن تنشيط الجمعية البرلمانية ليس وليد المبادرة الفرنسية بل هو نتاج التراكمات الفكرية والسياسية التي حصلت على مدى العقود الماضية، خصوصاً منذ انتهاء الحرب الباردة حتى استيعاب الاتحاد الاوروبي بلدان وسط اوروبا وشرقها.
عدم الالتفاف على مسيرة برشلونة
إذا كانت مواقف بلدان الضفة الجنوبية متفاوتة تجاه اقتراح ساركوزي فانها تبدو منسجمة وأحياناً لا مبالية في صفوف البلدان الأوروبية. إذ لا تقبل اسبانيا مشروعاً يلتف أو يهدد مسيرة برشلونة التي تعد إلى حد كبير وليدة الديبلوماسية الاسبانية في 1995 وكان يقودها في حينه وزير الخارجية الاسباني خافيير سولانا الذي يتولى حالياً مهمات الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي. وساعده في التحضير وصوغ إعلان برلشونه في تلك الفترة الوزير الحالي للخارجية ميغيل انخيل موراتينوس. وأوضحت مصادر اسبانية أن دعم المبادرة الفرنسية رهن بعدم المساس بمسيرة الشراكة الاوروبية - المتوسطية. وأكد موراتينوس دعمه فكرة إقامة الاتحاد ولكن على الصعيد الأوروبي ? المتوسطي، وكذلك تحذر ايطاليا. وكلا البلدين قد يرى في المبادرة الفرنسية محاولة لدعم مصالح باريس في منطقة شهدت عبر الأعوام الأخيرة زيادة الاستثمارات الاسبانية والايطالية والأميركية في مجالات الطاقة، خصوصاً في الجزائر وليبيا. ويتساءل ديبلوماسيون اوروبيون عن مصدر الموارد المالية التي سيحتاجها الاتحاد المزمع لتنفيذ برامج التعاون الاقليمي في المجالات المقترحة: الطاقة، المياه، البيئة والجامعات... وبحكم استبعاد بلدان الشمال من المشروع المتوسطي فان استخدام الآليات المالية التابعة للاتحاد الأوروبي سيكون أمراً مستحيلاً. وتحدث وزير الخارجية البرتغالي رئيس المجلس الوزاري الأوروبي باقتضاب شديد عن المقترح الفرنسي وقال في رد على الصحافة، على هامش اجتماعات الشراكة في لشبونة،"ان المقترح الفرنسي سيكون موضع نقاش طوال سنوات". وتختصر المفوضية بدورها الحديث عن المباردة بالقول:"من المبكر تحديد الموقف النهائي لأن تفاصيل المبادرة لم تكتمل بعد". لكنها تثير اهتماماً متزايداً.
وربطت فيريرو فالدنير دعم المقترح الفرنسي بشروط أن يكون"مكملاً لخطة الشراكة وسياسة الجوار ويوفر قيمة مضافة لما أنجز"منذ التسعينات. ونقل مصدر فرنسي إن المبادرة"حظيت الى الآن بدعم مصر وتونس والجزائر والمغرب وايطاليا واليونان وسلوفينيا فيما تتحفظ المانيا عن التعليق عليها، وفي المقابل فان هولندا الواقعة في شمال الاتحاد تطالب بالانضمام للاتحاد المزمع لأن جزءاً من سكانها يأتون من بلدان متوسطية".
وينتظر أن تنتهي الديبلوماسية الفرنسية من صوغ الوثيقة الأولى بعد انتهاء الجولة التي يقوم بها السفير آلان لوروا في غضون الأسبوعين على كل من القاهرة وتونس والجزائر وبرلين وسلوفينيا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.