دخلت الألعاب الأولمبية منحى مختلفاً بدءاً من دورة هلسنكي عام 1952، إذ انطلقت "المواجهات الرياضية" بين الشرق والغرب، مع دخول الاتحاد السوفياتي الصراع، وفرض وجوده بقوة محققاً المركز الثاني في عدد الميداليات خلف الولاياتالمتحدة 71 في مقابل 76. وأقام رياضيوه في مكان منعزل عن بقية المشاركين، ولم يختلطوا بهم خارج ملاعب المنافسة. كما عادت ألمانيا إلى الألعاب لكن ب"شقيها"الرأسمالي تحت مسمى"ألمانيا الاتحادية"والشيوعي تحت مسمى"الديموقراطية". وحققت السوفياتية ألكسندرا شودينا ثلاثية غير مسبوقة قوامها فضيتا الوثب الطويل ورمي الرمح وبرونزية الوثب العالي. وأضحت الدنماركية ليس هارتر أول امرأة تخوض مسابقة مع الجنس الآخر، إذ شاركت في مسابقة الترويض الفروسية وأحرزت فضية، علماً بأنها كانت مصابة بشلل في ساقها. كما كسرت الفرنسية مارلين مورو الاحتكار الأميركي للغطس منذ اعتماد مسابقاتها عام 1920، وحلت ثانية منصة ال3 أمتار. وعام 1924 فضّل الأميركي بيل هافنر البقاء قرب زوجته الحامل على خوض مسابقة التجديف، غير أن مولودهما فرانك كان وفياً لهذه التضحية وردّ التحية شاباً 28 سنة بفوز ذهبي في سباق الكانوي الفردي 10 كلم في هلسنكي. ومن اللمسات العربية في الألعاب، إحراز اللبناني زكريا شهاب فضية المصارعة اليونانية ? الرومانية لوزن الديك، ومواطنه خليل طه برونزية وزن الوسط، والمصري عبدالعال راشد برونزية وزن الريشة. القاطرة البشرية وخاض دورة هلسنكي 4925 رياضياً 518 رياضية من 69 بلداً تنافسوا في 19 لعبة 149 مسابقة. وضرب"القاطرة البشرية"التشيكوسلوفاكي اميل زاتوبيك بقوة، ففاز بذهبيات ال5 آلاف م وال 10 آلاف م والماراثون. وكان حلّ ثانياً في ال 5 آلاف م في لندن 1948 خلف البلجيكي غاستون ريف محقق أول ذهبية لبلجيكا في ألعاب القوى في الألعاب الأولمبية وفي ال10 آلاف م. والذهبيات"الزاتوبيكية"الثلاث تحققت في غضون أسبوع، وأضافت زوجته دانا بطلة الرمح ذهبية رابعة لبلادها. واعترف المنافسون بأن زاتوبيك أقوى الجميع، خصوصاً أنه كان يجبر بقية العدائين على اللحاق به ظناً منهم أن قواه خارت وبات تجاوزه وشيكاً نظراً إلى أسلوبه في الجري، الذي يُظهره للعيان شخصاً يعاني الأمرّين، لكن الألم الذي يولّد سهولة الفوز عند"القاطرة البشرية"يرتدّ على المنافسين درب جلجلة. في سباق الماراثون، كان زاتوبيك يجري على إيقاع منهك، وفجأة كان يُشاهد يتلفّت يميناً ويساراً مبادلاً المشجعين التحيات والتعليقات... وعند خط النهاية كان70 ألف متفرّج يهتفون بصوت واحد باسمه. وهو ردّ برفق على أحد المسعفين الذي اقترب منه ليلفه ببطانية إتقاء للهواء، وجسده يتصبب عرقاً"لا داعي لذلك لقد أنهيت تدريبي اليومي". ...ويعود بالذاكرة إلى النهائي في المقابلات الصحافية التي أجريت معه على مرّ السنوات التي تلت مسيرته الرياضية، كان زاتوبيك يعود دائماً بالذكرى ليوم نهائي الماراثون الذي ترافق فوزه فيه مع إحراز زوجته مسابقة رمي الرمح 50.47م،"فكانت الفرحة مزدوجة". ويقول إنه طمح دائماً إلى تقديم الأفضل وتحقيق الإنجازات،"لكن ذلك يتطلب كداً وتدريباً يومياً مكثّفاً لتحطيم الأرقام وإحراز الألقاب تماماً كالأشغال الشاقة، لكني كنت أستمتع بها". رقي زاتوبيك الى رتبة نقيب في الجيش، ولاحقاً رُفّع الى رتبة عقيد وشغل منصب مدرب المنتخب، ثم جُرّد من كل شيء وكاد يصبح نكرة بعدما حُرم من مميزات الإنجاز، إذ دفع ثمناً غالياً لشجاعته ودعمه للحرية ووطنيته في أحداث"ربيع براغ"عام 1968. دار دولاب زاتوبيك"سنوات"الى الخلف، لكن البطل ظلّ شجاعاً متفائلاً محباً للحياة."نُفي"بعيداً من زوجته وعمل حفاراً للآبار ولم يتمكن من رؤيتها إلا مرة كل أسبوعين، لكن عزاءه ومتنفسه الوحيدين بقيا في أن عمله في الهواء الطلق وسط الغابات والريف. وحزن بعض الشيء لأنه لم يعد في مقدوره الاعتناء بالحديقة الصغيرة في جوار منزله الى أن"رضي عنه"بعد سنوات، فنقل للعمل في قسم التوثيق في اللجنة الأولمبية في براغ. واعترف بأنه بات من الرياضيين القدامى أصحاب الشهرة"لكني لم أتقاعد من العمل وأنا مستعد دائماً للمساعدة في أي موقع لأبقى مفيداً".